للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الزمر]

[فاتحة سورة الزمر]

لا يخفى على الموحدين المحمديين المتدرجين من سفل الإمكان وحضيض التقييد الى أوج الوجوب وذروة الإطلاق التي هي الوحدة الذاتية المنطوية دونها الكثرات مطلقا ان الوصول الى هذا المطلب الأعلى والمقصد الأسنى انما هو بتوفيق الحق على متابعة كتبه واطاعة رسله المرسلين من عنده سبحانه لتبيين ما في كتبه من الحكم والاحكام والمعارف والحقائق المرموزة فيها ولا شك ان أفضل الكتب وأكمل الرسل هو القرآن ونبينا عليه الصلاة والسلام فمن امتثل بمقتضيات القرآن وتمسك بسنن صدرت من معدن الرسالة وأحاديث شاعت من مشكاة النبوة والولاية فقد أفاض عليه الحق من سجال فضله ولطفه ما أفاض وفاز بما جبل لأجله بمقتضى الحكمة لذلك اخبر سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلم وأوصاه بامتثال ما في كتابه المنزل عليه وبتبليغه الى من وفق بمتابعته وجبل من زمرته وهدى بإرشاده وهدايته فقال بعد ما تيمن باسمه الأعظم المشتمل على كل أسمائه الحسنى وصفاته العليا بِسْمِ اللَّهِ الذي انزل كتابه معربا عما فصله في حضرة علمه ولوح قضائه الرَّحْمنِ لعموم عباده بانزال الكتاب إليهم ليهديهم الى درجات جنابه الرَّحِيمِ لخواصهم يوصلهم الى وحدة ذاته بعد ما أفناهم من مقتضيات تعيناتهم المقتضية للكثرة

[الآيات]

تَنْزِيلُ الْكِتابِ المبين لطريق التوحيد المنبه على وحدة الحق وكمالات أسمائه الحسنى وأوصافه العظمى مِنَ اللَّهِ المدبر لعموم ما جرى في ملكه وملكوته إذ لا منزل في الوجود سواه سبحانه الْعَزِيزِ الغالب في امره بالاستقلال والاختيار الْحَكِيمِ المتقن في فعله حسب علمه المحيط وقدرته الشاملة وإرادته الكاملة وبعد ما بين سبحانه امر التنزيل عموما أشار الى التنزيل المخصوص المتمم المكمل لأمر الإنزال والتنزيل مطلقا فقال مشيرا الى عظم قدر المنزل اليه وجلالة شأنه ورفعة رتبته ومكانه

إِنَّا من مقام عظيم جودنا قد أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا أكمل الرسل تأييدا لك وتعظيما لشأنك الْكِتابَ الجامع لجميع ما في الكتب السالفة مع زوائد خلا عنها كلها ملتبسا بِالْحَقِّ المطابق للواقع بلا شوب شك وريب في نزوله منا وبالجملة فَاعْبُدِ اللَّهَ الذي اصطفاك لرسالته وخصصك بكتابه هذا حال كونك شاكرا لنعمه مؤديا لحقوق كرمه مُخْلِصاً في عبادتك وعبوديتك إياه مجتنبا عن مداخل الشرك ورعونات الرياء مطلقا لَهُ الدِّينَ والانقياد خاصة ولا مستحق للاطاعة الخالصة والاتباع الصافي الا هو سبحانه ولا يعبد بالحق الا هو وبعد ما امر سبحانه حبيبه بالعبادة والإخلاص في الإطاعة والانقياد نبه على عموم عباده بالإخلاص في الطاعة والخلوص في نيات العبادات فقال

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ اى تنبهوا ايها المجبولون على فطرة التوحيد ان الدين الذي كلفكم الحق عليه وأوجبه عليكم هو الدين الخالص عن امارات الشرك ومقتضيات الهوى الصافي عن شوب السمعة وشين الرياء وَبعد ما وضح ان الدين الخالص لله ولا مستحق له سواه الَّذِينَ اتَّخَذُوا وأخذوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اى المشركون الذين ادعوا الولاية لغير الله واستحقاق الإطاعة والانقياد لسواه قالوا في تعليل اتخاذهم حين سئلوا عنه وبخوا عليه ما نَعْبُدُهُمْ اى هؤلاء الغرانيق العلى التي هي الأصنام والأوثان وجميع ما عبد من دونه سبحانه إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى اى تقريبا كاملا إذ هم كملة مقبولون عنده مكرمون لديه سبحانه فنتوسل بهم حتى نصل الى قرب الحق وجواره لا تبالوا ايها الموحدون المتمسكون لحبل التوفيق الإلهي بقولهم هذا ولا تلتفتوا الى أباطيلهم الزائغة

<<  <  ج: ص:  >  >>