للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع ان اضرارها واصفرارها ايضا انما هو بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ وصاروا بعد ما أبصروا اضرارها واصفرارها ايضا يَكْفُرُونَ بالله وبنعمه وينكرون بعموم فضله وكرمه مع ان أخذهم بالبأساء والضراء انما هو لأجل ان يتضرعوا نحوه ويلتجئوا اليه منيبين خاشعين خاضعين ليكشف عنهم ما يضرهم إذ لا كاشف الا هو ولا منجى لهم سواه وبالجملة هم في أنفسهم من خبث طينتهم وجمود قريحتهم أموات حقيقة ومعنى وان كانوا من الأحياء صورة فعليك ان لا تبالي يا أكمل الرسل بهم وبشأنهم ولا تجتهد الى هدايتهم وتكميلهم

فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى اى ليس في وسعك وطاعتك إسماع الموتى بل ما عليك الا الدعوة والتبليغ وَلا تُسْمِعُ ايضا الصُّمَّ الجبلي الدُّعاءَ والدعوة سيما إِذا وَلَّوْا وانصرفوا عنه مُدْبِرِينَ معرضين منكرين لك مكذبين رسالتك ودعوتك

وَكيف تجتهد أنت وتسعى يا أكمل الرسل في تحصيل ما هو خارج عن وسعك وطاقتك مع انك لا تؤمر به من لدنا إذ ما أَنْتَ باستبدادك واستقلالك بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إذ هم مجبولون على الغواية الجبلية في اصل فطرتهم فاقدون بصائر قلوبهم المدركة بها دلائل التوحيد وشواهد الوحدة الذاتية ولا يتأتى لك ان تهديهم الى طريق التوحيد وترشدهم اليه إِنْ تُسْمِعُ بتبليغك وارشادك وما تهدى أنت بسعيك واجتهادك إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا ونحن نوفقهم على الايمان من لدنا بمقتضى ما ثبت وجرى في لوح قضائنا وحضرة علمنا فَهُمْ بعد ما سبقت العناية منا إياهم مُسْلِمُونَ منقادون لك مسلمون منك جميع ما بلغت لهم من شعائر الدين ودلائل التوحيد واليقين. ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان إظهارا لكمال قدرته على إبداء الشئون والتطورات الواردة على عباده حسب تعاقب الازمنة والأوقات في النشأة الاولى فكيف ينكرون إعادتها في النشأة الاخرى مع ان الإعادة أهون من الإبداء وان كان الكل في جنب قدرته على السواء

اللَّهُ القادر المقتدر الحكيم المتقن في عموم أفعاله وأحكامه العليم بمقتضاها هو القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَكُمْ وقدر وجودكم بعد ما أراد ابداعكم من كتم العدم وايجادكم في عالم الطبيعة والهيولى مِنْ ضَعْفٍ هو ماء النطفة الضعيفة المهينة ثُمَّ جَعَلَ صير وخلق وقدر مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ كائن في نشأة النطفة قُوَّةً جسمانية متزايدة مستكملة فيها يوما فيوما الى ان قد بلغت كمال القوة والشباب ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ كائنة في عالم الشباب ضَعْفاً وانحطاطا وَشَيْبَةً مضعفة طارية لعموم القوى والآلات منتهية الى الهرم الذي قد عبر عنه سبحانه بارذل العمر كيلا يعلم صاحبه من بعد علمه شيأ وبالجملة يَخْلُقُ ويظهر سبحانه عموم ما يَشاءُ ويقضى ويحكم جميع ما يريد ارادة واختيارا وَكيف لا هُوَ الْعَلِيمُ بجميع ما أحاطت عليه ارادته ومشيته الْقَدِيرُ المقتدر لإيجاده وإظهاره في فضاء العيان بلا فتور وقصور ونقصان وفطور

وَكيف ينكر من ينكر الحشر والنشر واعادة الموتى احياء سيما بعد مشاهدة هذه التطورات المترادفة والنشآت المتخالفة المتعاقبة اذكر لهم يا أكمل الرسل يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ الموعودة المعدة لحشر الأموات من الأجداث يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ويحلف حينئذ كل منهم عند صاحبه بمدة لبثهم في الدنيا مترفهين متنعمين واتفقوا بعد ما اختلفوا وترددوا كثيرا في مكثهم فيها على انهم ما لَبِثُوا فيها غَيْرَ ساعَةٍ واحدة بالنسبة الى طول يوم القيامة وبالجملة من شدة عذاب يوم القيامة وصعوبة أهوالها وكثرة الهموم والأحزان فيها صار لبثهم في الدنيا ومدة اعمارهم فيها ساعة واحدة

<<  <  ج: ص:  >  >>