للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقربنا ثَمَّ الْآخَرِينَ اى قربنا فرعون وقومه هناك يعنى قد وصلوا على شاطئ البحر متعاقبة فرأوهم في شعاب البحر المنفلق على العبور فاقتحموا على الفور أثرهم طامعين النجاة والعبور مثلهم

وَقد أَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ حيث حفظنا البحر على انفلاقه وعدم جريه الى ان عبروا سالمين من تلك الفرج ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ اى فرعون وقومه جميعا بعد ما دخلوا مغترين مغرورين في تلك الفرج باطباق البحر واجرائه واعدام انفلاقه وافتراقه واتصاله على الوجه الذي قد كان عليه قبل الانفلاق حسب وضعه الأصلي وبالجملة

إِنَّ فِي ذلِكَ الإنجاء والإغراق على الوجه المذكور لَآيَةً عظيمة دالة على كمال قدرة الله ومتانة حكمته بالنسبة الى ذوى الأبصار والنهى واولى العبر والاعتبار من الأبرار الأخيار المشمرين أذيال الهمم والاهتمام نحو التفكر والتدبر في آثار أوصاف الفاعل المختار وَلكن ما كانَ أَكْثَرُهُمْ اى اكثر الناس المجبولين على فطرة الاستدلال والاعتبار مُؤْمِنِينَ بالله موقنين بتوحيده وبأسمائه الكاملة وأوصافه الشاملة حتى يتأملوا في آثار صفاته ليتمكن لهم الاستدلال بها على ذاته

وَبالجملة إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على امره القادر المقتدر على اجراء أحكامه وإنفاذ قضائه الرَّحِيمُ المشفق لخلص عباده الموفقين من عنده للوصول الى مبدئهم ومعادهم

وَاتْلُ يا أكمل الرسل عَلَيْهِمْ اى على مكذبي قريش ومعانديهم نَبَأَ إِبْراهِيمَ اى قصة جدك ابراهيم الخليل صلوات الرحمن عليه وسلامه مع قومه وقت

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ سائلا لهم عن حقيقة ما يعبدون من الآلهة ليريهم ان الأصنام لا تستحق ولا تليق للعبادة والانقياد ما تَعْبُدُونَ ولأي شيء تنقادون وتطيعون ايها المكلفون العابدون

قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ اى تدوم عكوفنا إياها واطاعتنا لها

قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ ويجيبون دعوتكم إِذْ تَدْعُونَ إليهم في السراء والضراء

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ ويثيبون جزاء إطاعتكم وعبادتكم أَوْ يَضُرُّونَ لكم ان أعرضتم وانصرفتم عن عبادتهم

قالُوا مستغربين عن مسئولاته نحن لا نرجو منهم أمثال هذه الصفات إذ هم جمادات لا يتأتى منهم افعال ذوى الحياة والشعور بَلْ قد وَجَدْنا آباءَنا وأسلافنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ اى يعبدون لها ويعكفون عليها خاشعين متذللين ونحن على آثارهم نعبدهم ونتذلل لهم تقليدا لآبائنا

قالَ لهم ابراهيم على سبيل النصيحة والتذكير أَفَرَأَيْتُمْ وعلمتم ان ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ من دون الله

أَنْتُمْ في مدة اعماركم وَكذا آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ في مدة اعمارهم ايضا وفيما مضى عليهم من الزمان لا يليق بالالوهية ولا يستحق للاطاعة والانقياد إذ الإله المستحق بالعبودية لا بد وان يتصف بالصفات الكاملة الفاضلة التي هي مبادي لآثار كثيرة وان يكون ذا نفع وضر وثواب وعقاب حتى يعبد له وهؤلاء معطلون عن أوصاف الألوهية مطلقا بل

فَإِنَّهُمْ اى الالهة الباطلة عَدُوٌّ لِي نسب عداوتهم لنفسه أولا امحاضا للنصح والتوجه إليهم والتذلل نحوهم يجلب عذاب الله ونكاله فهم وعبادتهم من اسباب غضب الله وقهره فلكم ان لا تتوجهوا نحوهم ولا تعبدوا إياهم ولا تتخذوا غير الله سبحانه الها كما انى ما أتوجه وما اعبد إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ إذ هو المستحق للالوهية والربوبية ذاتا ووصفا وكيف لا اعبد الها واحدا أحدا حيا قيوما قادرا مقتدرا مع انه سبحانه هو

الَّذِي خَلَقَنِي اى أوجدني وأظهرني من كتم العدم حسب جوده فَهُوَ يَهْدِينِ الى توحيده واستقلاله في الوجود والتصرف بمقتضى لطفه

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>