للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإتيان عَلَى اللَّهِ القادر المقتدر على اظهار جميع ما لاح عليه برق علمه وارادته بِعَزِيزٍ مشكل متعذر بل عنده وبجنب سرعة نفوذ قضائه سهل يسير

وَبعد ما قد عرفتم قدرة الله وسمعتم كمال استغنائه فلكل منكم الإتيان بمأموراته والاجتناب عن منهياته إذ لا تَزِرُ ولا تحمل نفس وازِرَةٌ آثمة عاصية وِزْرَ نفس عاصية أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ وتطلب نفس مُثْقَلَةٌ بالأوزار والمعاصي إِلى حِمْلِها اى حمل بعض من الأوزار المحمولة عليها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ يعنى لا يحمل احد شيأ من أوزاره وان رضى بحملها لا يحمل عليها بمقتضى العدل الإلهي وَلَوْ كانَ المدعو للحمل ذا قُرْبى اى من قرابة الداعي بل كل واحدة من النفوس يومئذ رهينة بما قد اقترفت من المعاصي ما حملت هي الا عليها وما حوسبت بها الا هي. ثم قال سبحانه مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم في شأن عباده إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يعنى ما يفيد انذاراتك التي قد تلوت أنت يا أكمل الرسل على هؤلاء الغفلة الغواة الا القوم الذين يخافون من الله ومن عذابه حال كونهم غائبين عنه سامعين له خاشعين من نزوله خائفين من حلوله بغتة وَمع ذلك قد أَقامُوا الصَّلاةَ المأمورة المقربة لهم الى جناب قدسه مخلصين فيها مطهرين نفوسهم عن الميل الى ما سوى الحق وَبالجملة مَنْ تَزَكَّى وطهر نفسه عن الميل الى البدع والأهواء فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذ نفع تزكيته عائد اليه مفيد له في أولاه وأخراه وَبعد تزكيته عن لوازم بشريته ومقتضيات بهيميته العائقة عن الوصول الى مبدأ فطرته إِلَى اللَّهِ المنزه عن مطلق النقائص المبرى عن جملة الرذائل الْمَصِيرُ اى المنقلب والمآب يعنى مرجع الكل اليه ومقصده دونه سبحانه ومثواه عنده

وَلكن ما يَسْتَوِي في القرب والرتبة بالنسبة اليه سبحانه الْأَعْمى الغافل الجناهل عن كيفية الرجوع والتوجه وَالْبَصِيرُ العارف العالم بأمارات الصعود والعروج

وَلَا الظُّلُماتُ المتراكمة المتكاثفة بعضها فوق بعض ألا وهي ظلمة الطبيعة وظلمة الهيولى وظلمة التعينات والهويات الممتزجة المتكاثفة بالامنية الامكانية بحيث تصير حجابا غليظا وغشاء كثيفا يعمى ابصار المجبولين على الأبصار والاستبصار والعبرة والاعتبار على مقتضى الشئون القهرية الجلالية وَلَا النُّورُ المتشعشع المتجلى من وحدة الذات حسب شئونه باللطفية الجمالية

وَلَا الظِّلُّ الإلهي المروح لأرواح ارباب المحبة والولاء بنفحات نسمات انواع الفتوحات والكرامات وَلَا الْحَرُورُ اى السموم المهلكة المنتشئة من فوحان الأماني الامكانية الممتزجة بيحموم الطبيعة المتصاعدة من ابخرة الاهوية الفاسدة ونيران الشهوات الملتهبة الموقدة لحطب اللذات الوهمية المورثة من القوى البهيمية

وَبالجملة ما يَسْتَوِي عند الله العليم الحكيم الْأَحْياءُ بحياة المعرفة والايمان واليقين والعرفان حياة ازلية ابدية سرمدية لا امر لها حتى تنقضي ولا حدوث لها حتى تنعدم وَلَا الْأَمْواتُ بموت الجهل والضلال وانواع الغفلة والنسيان الهالكين في زاوية الإمكان الخالدين في هاوية النيران بأنواع الخمول والخذلان وبالجملة إِنَّ اللَّهَ العليم الحليم المتقن في عموم أفعاله يُسْمِعُ ويهدى مَنْ يَشاءُ من عباده عناية لهم وامتنانا عليهم الى صراط توحيده وَما أَنْتَ يا أكمل الرسل بِمُسْمِعٍ هاد مرشد مَنْ فِي الْقُبُورِ يعنى انك لا تهدى من كان راسخا متمكنا في هاوية الجهل المركب وجحيم الإمكان وأجداث الغفلة والنسيان إذ هم مجبولون على الغواية الفطرية والجهالة الجبلية لا يتأتى لك هدايتهم وإرشادهم أصلا بل

إِنْ أَنْتَ اى ما أنت يا أكمل الرسل إِلَّا نَذِيرٌ لهم من قبلنا فلك ان تبلغ عموم ما

<<  <  ج: ص:  >  >>