للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد صار صديقك وخليلك الى حيث كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حفيظ لك رقيب على حضانتك عن جميع ما يؤذيك ويرديك فكيف يتأتى منه ان يؤذيك إذ هو حَمِيمٌ مشفق كريم رؤف رحيم لك لا يخاصمك أصلا

وَلكن ما يُلَقَّاها اى تلك الخصلة الحميدة الحسنة التي هي دفع الإساءة بالإحسان والمكروه بالمعروف والقهر باللطف إِلَّا الرجال الابطال المتحملون الَّذِينَ صَبَرُوا على كظم الغيظ وتحمل المتاعب والمشاق المتعاقبة على نفوسهم لتحققهم بمقام الرضاء والتسليم بما مضى عليهم من القضاء وتمكنهم في مقر التوحيد المسقط للاضافات المستلزمة لانواع الاختلافات والانحرافات وَبالجملة ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ونصيب كامل من الكشف والشهود باسرار الوجود بمقتضى الجود الإلهي وبعد ما ارشد سبحانه عموم عباده الى طريق النجاة وعلمهم الخصلة المحمودة المخلصة لهم عن اودية الضلالات واغوار الجهالات وأوصاهم بما أوصاهم به من الصبر والثبات على تحمل المشاق والمكروهات خاطب سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بما خاطب حثا له ولمن تبعه واسترشد منه على دفع ما يمنعهم عن الاتصاف بتلك الخصائل الحميدة ويعوقهم منها بالإضلال والإغواء فقال

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ويعرضن عليك يا أكمل الرسل مِنَ الشَّيْطانِ المضل المغوى نَزْغٌ نخس يحرك غضبك وحمية بشريتك ويوقعن فيك بوسوسته فتنة تبعثك على الانتقام ممن أساء بترك تلك الخصلة المحمودة فَاسْتَعِذْ اى بادر على الاستعاذة واللجأ بِاللَّهِ المقلب للقلوب وفوض أمورك كلها اليه سبحانه على وجه التبتل والإخلاص لتأمن من غوائله وتلبيساته إِنَّهُ سبحانه هُوَ السَّمِيعُ لمناجاتك الْعَلِيمُ بعموم حاجاتك وبخلوص نياتك فيها.

ثم قال سبحانه ردا على المشركين المتخذين شركاء لله من مظاهره ومصنوعاته ظلما وزورا يعبدونهم كعبادته

وَمِنْ آياتِهِ اى من جملة الدلائل الدالة على قدرة الصانع الحكيم اللَّيْلُ المظلم وَالنَّهارُ المبصر المضيء وَكذا الشَّمْسُ المشرقة في النهار وَالْقَمَرُ المنير في الليل قل لهم يا أكمل الرسل على سبيل التنبيه والتذكير لا تَسْجُدُوا اى لا تعبدوا ولا تتذللوا ايها الاظلال الهالكة المستهلكة في شمس الذات لِلشَّمْسِ الهالكة المستهلكة أمثالكم في شروق ذاته سبحانه وَلا لِلْقَمَرِ المستفيد منها بالطريق الاولى بل وَاسْجُدُوا وتذللوا بوضع جباهكم وجوارحكم على تراب المذلة والهوان لِلَّهِ الواحد الأحد المقتدر العزيز الَّذِي خَلَقَهُنَّ اى اوجدهن واظهرهن من كنتم العدم على سبيل الإبداع بلا سبق مادة وزمان بل بمجرد امتداد اظلال أسمائه وبسط عكوس أوصافه على مرآة العدم فعليكم الإطاعة والانقياد اليه والتوجه نحوه على وجه الإخلاص والاختصاص فاعبدوه إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ سبحانه تَعْبُدُونَ ايها العابدون المخلصون وبعد ما بلغت إليهم يا أكمل الرسل ما بلغت من الحق الحقيق بالقبول والاتباع

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا واستنكفوا عن سجود الله وأصروا على ما هم عليه من سجود غيره اعرض عنهم وعن نصحهم ولا تبال بهم وبشأنهم فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل من الملائكة المهيمين المستغرقين بمطالعة جماله وجلاله الموحدين المفنين هوياتهم في هوية الله يُسَبِّحُونَ لَهُ ويقدسون ذاته عن شوب الشركة مطلقا قولا وفعلا خاطرا وناظرا بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ اى في عموم الأوقات والحالات وَهُمْ من غاية شوقهم وتحننهم لا يَسْأَمُونَ اى لا يملون ولا يفترون منها أصلا ومع ذلك هو سبحانه غنى عن عبادتهم فكيف عن عبادة هؤلاء الحمقى المنغمسين في بحر الجهل التائهين في تيه الضلال

وَايضا مِنْ جملة آياتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>