للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدور قدرته الغالبة ايضا أَثِيمٍ متبالغ في الغفلة بارتكاب الشهوات المعمية لعيون بصائره عن ادراك آثار القدرة الغالبة الإلهية الفائتة للحصر والإحصاء مع ان كل واحدة من تلك الآثار دليل مستقل على إمكان الإعادة عند المتأمل المنصف الا ان المنكر مكابر لمقتضى عقله وما اجرأه واغريه على الإنكار والإصرار الا شياطين الأوهام والخيالات الموروثة له من ألف الطبيعة ورسوخ العادات المبنية على التقليدات الراسخة المتقررة في قلوب اصحاب الغفلة والضلال لذلك

إِذا تُتْلى وتقرأ عَلَيْهِ آياتُنا الدالة على كمال قدرتنا واختيارنا واستقلالنا في عموم المرادات والتصرفات الواقعة في ملكنا وملكوتنا قالَ من فرط جهله ونهاية غفلته واعراضه عن الحق واهله ما هي الا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى أكاذيبهم المسطورة في دواوينهم المختلقة المختلفة. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا من هذا الافتراء والمراء على سبيل الإنكار والاستهزاء يعنى ما هذه الآيات البينات من المفتريات الباطلة كما زعمها أولئك البغاة الطغاة الهالكون في تيه البغي والطغيان وبيداء الغي والعدوان بَلْ رانَ يعنى بل قد ظهر وحدث في نفوسهم رين الغفلة وصدأ الجهل والضلال وازداد وغلب حتى علا واحاطه عَلى قُلُوبِهِمْ فكثفها وكدرها الى حيث اظلمها وسوّدها ولم يبق فيها لمعة من بياض نور الايمان وما ذلك الا بسبب ما كانُوا يَكْسِبُونَ من المعاصي والشهوات المذهبة لجودة الفطرة الاصلية والفطنة الجبلية التي فطروا عليها في اصل الخلقة. ثم قال سبحانه

كَلَّا ردعا لهم عن ارتكاب اقتراف الرين المصدئ بقلوبهم كيف يكسبونه مع انهم قد جبلوا على فطرة الايمان والتوحيد إِنَّهُمْ أولئك المفسدين المسرفين عَنْ رَبِّهِمْ الذي رباهم لمصلحة المعرفة والايمان يَوْمَئِذٍ اى يوم اقتراف المعاصي الرائنة لَمَحْجُوبُونَ عن الله وعن ظهور نوره اللامع في صفائح الأنفس والآفاق مع انه لا سترة له سبحانه ولا حجاب في حال من الأحوال الا ان خفافيش بقعة الإمكان لا يرون شمس ذاته اللامعة بواسطة غيوم هوياتهم الباطلة وتعيناتهم العاطلة

ثُمَّ إِنَّهُمْ بعد ما حجبوا من الله وحرموا عن مطالعة وجهه الكريم لَصالُوا الْجَحِيمِ اى داخلوها وخالدون فيها ابدا

ثُمَّ يُقالُ لهم تعييرا عليهم وتشديدا لعذابهم من قبل الحق حينئذ هذَا العذاب هو العذاب الَّذِي قد كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ في سالف الزمان مصرين على تكذيبه وإنكاره بل مستهزئين به متهكمين. ثم كرر سبحانه لفظة

كَلَّا ردعا لهم بعد ردع تقريعا وتأكيدا وليكون توطئة وتمهيدا لتعقيب وعيدهم بوعد المؤمنين مع ان في هذا التعقيب زيادة زجر وتقريع عليهم لما اقترفوا من الآثام والعصيان المؤدية لهم الى دار الندامة والحرمان فقال إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ اى ما كتب فيه عموم آثارهم الصالحة الصادرة عنهم ايمانا واحتسابا ثقة بالله وخوفا من غضبه محفوظ فيه جميع ما ذكر محكوم عليهم بمقتضى ما فيه انهم لَفِي عِلِّيِّينَ اى هم متمكنون في أعلى درجات الجنان وارفع غرفها ثم أبهمه سبحانه تعظيما وتفخيما فقال

وَما أَدْراكَ ايها البار المبرور ما عِلِّيُّونَ وما شأنه الرفيع ومكانة البديع وما فيه من اللذات الروحانية التي من لم يذقها لم يعرفها. رزقنا الله الوصول إليها والحصول دونها وبالجملة

كِتابٌ للأبرار كتاب مَرْقُومٌ بين الرقوم والرسوم بحيث

يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ اى ارباب العناية والتوفيق فيعلمون من عنوانه ان ما فيه خير كله بمجرد رؤيتهم وشهودهم في بادى النظر وبالجملة

إِنَّ الْأَبْرارَ البارين على الله المبرورين بين الناس لَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>