للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفُسَنا بمتابعة عدونا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا ولم تتجاوز عنا وَلم تَرْحَمْنا بفضلك وجودك لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ خسرانا عظيما

ثم لما صدر منهما ما صدر بوسوسة عدوهما امر سبحانه باخراجهما عن دار السرور الى دار الابتلاء والغرور حيث قالَ سبحانه اهْبِطُوا اى انزلوا وانحطوا ايها المتجاوزون عن حدودنا أصلا وفرعا تابعا ومتبوعا عن مقر العز ومرتبة الإطلاق والتجريد الخالي عن عموم الإضافات والتقييد الى محل الكون والفساد ومنزل البغي والعناد إذ بَعْضُكُمْ في دار الدنيا التي هي نشأة الاختبار والابتلاء لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ابدا لا يرتفع الخصومة عنكم أصلا وَلَكُمْ ايها المتخاصمون فِي الْأَرْضِ التي هي مرتع الطبيعة ومحل الفتن مُسْتَقَرٌّ موضع قرار وَمَتاعٌ اى تمتع وتنعم من لذاتها وشهواتها إِلى حلول حِينٍ قدر الله سبحانه بمقتضى حكمته لانقضاء آجالكم وانقطاع آمالكم ثم لما تحيرا واضطربا في أمرهما وفساد حالهما

قالَ سبحانه منبها عليهما فِيها اى في ارض الطبيعة تَحْيَوْنَ بالحيوة المستعارة الطبيعية وَفِيها ايضا تَمُوتُونَ بالموت الطبيعي وَمِنْها ايضا تُخْرَجُونَ لجزاء ما اقترفتم من خير وشر وتقرب وتبعد عن الحق في حياتكم الطبيعية التي هي دار الابتلاء ومزرعة الأجر والجزاء ان خيرا فخير وان شرا فشر. ثم قال سبحانه مناديا لكم ايها المكلفون في مقام الامتنان وتعديد النعم والإحسان لتواظبوا بشكر نعمه وتداوموا على أداء حقوق كرمه وتحافظوا على انقياده وأطاعته بعد ما صدر عنكم الكفر والكفران والخروج عن مقتضى الأوامر والنواهي

يا بَنِي آدَمَ المجبولين على فطرة الخلافة والنيابة قَدْ أَنْزَلْنا من مقام فضلنا وجودنا عَلَيْكُمْ لِباساً اى عقلا مفاضا مدبرا يُوارِي ويستر بتدبيره سَوْآتِكُمْ اى عموم مقتضيات بشريتكم ولوازم بهيميتكم وَوهبنا لكم ايضا من وفور لطفنا عليكم رِيشاً اى معارف وحقائق نزينكم ونميزكم بها عن جميع المخلوقات ونستخلفكم بسببها من بين سائر البريات وَاعلموا ان أفضل اوصافكم وأكملها وأجملها لِباسُ التَّقْوى عن محارم الله والاجتناب عن عموم منهياته ومحظوراته فعليكم ان تلبسوها وتتحفظوا بها عن عموم ما لا يليق لمرتبتكم وفطرتكم وبالجملة ذلِكَ اى لباس التقوى خَيْرٌ لكم وحقيق بحالكم ورتبتكم ان أردتم ان تصلوا الى مرتبة التوحيد التي قد جبلتم لأجلها ذلِكَ اى المنزل المذكور مِنْ جملة آياتِ اللَّهِ الدالة على استقلاله سبحانه في ألوهيته وكمال استحقاقه في ربوبيته انما أنزلها عليهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ رجاء ان يتذكروا نعمه فيعرفوا المنعم وينكشفوا بتوحيده

ثم ناداهم سبحانه ثانيا وأوصاهم بقوله يا بَنِي آدَمَ مقتضى خلافتكم ونيابتكم ان لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ اى لا يوقعنكم في الغي والضلال بفتنته ووسوسته كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ بالفتنة والغرور مِنَ الْجَنَّةِ التي هي دار السرور ومنزل الحضور وأهبطهما بوسوسته الى الأرض التي هي محل المحن والشرور حيث يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما اى تسبب للنزع بتغريرهما واغرائهما الى تناول المنهي عنه لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما انتقاما عنهما وتفضيحا لهما فعليكم ايها الأبناء والذراري ان تجتنبوا عن غوائله وتتعوذوا الى الله عن عموم مخايله وتتخذوه سبحانه وقاية ووكيلا حتى تتخلصوا عن وسوسة شياطين الأهواء وتسويلات القوى الامارة المائلة الى المكر والمراء وعليكم ان لا تغفلوا عنه بحال إِنَّهُ دائما يَراكُمْ ويرقبكم هُوَ اى الشيطان نفسه وَقَبِيلُهُ اى جنوده الامارة بالسوء رؤية صادرة عن محض العداوة والطغيان مِنْ حَيْثُ اى من مكان

<<  <  ج: ص:  >  >>