للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستغفرون بعموم عباد الله من سعة رحمته وجوده إِناثاً ناقصات العقل والدين منحطات عن زمرة الكاملين مع انهم هم من اعزة عباد الله واجلتهم متمكنون عند كنف قربه وجواره مسبحون له في عموم الأوقات والحالات أَشَهِدُوا وحضروا أولئك الحمقى خَلْقَهُمْ اى خلق الله إياهم في بدء الأمر إذ الأنوثة والذكورة من جملة الأمور التي لا اطلاع لاحد عليها الا بالمشاهدة أم يشهدون رجما بالغيب ظلما وزورا وبالجملة سَتُكْتَبُ في النشأة الاخرى شَهادَتُهُمْ التي شهدوا بها على خلص عباد الله وافتراؤهم على الله الصمد المنزه من الاستيلاد وَبالجملة يُسْئَلُونَ يوم القيامة عن جميع ما أتوا به من المعاصي سيما عن هذه الشهادة المزورة والافتراء الباطل ثم يجازون بمقتضاها

وَبعد ما قد سفه المسلمون اهل الشرك والضلال وعيروهم باتخاذ الملائكة والأوثان والأصنام وعموم المعبودات الباطلة آلهة من دون الله شركاء له في ألوهيته مع كونهم منحطين عن رتبة الربوبية والألوهية مطلقا قالُوا مستدلين على أخذهم واتخاذهم لَوْ شاءَ وأراد الرَّحْمنُ عدم اتخاذنا وعبادتنا إياهم ما عَبَدْناهُمْ البتة لكن أراد سبحانه عبادتنا فعبدناهم إذ لا يبدل قوله سبحانه ولا يغير حكمه ومشيته. انما قالوا ما قالوا تهكما واستهزاء على زعم المؤمنين لا عن اعتقاد ويقين بمشية الله وتقديره وعدم تغير مراده سبحانه لذلك جهلهم سبحانه بقوله ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ اى ما صدر عنهم هذا الاستدلال عن علم بمقدماته واعتقاد بنتيجته بل إِنْ هُمْ اى ما هم في قولهم هذا واستدلالهم إِلَّا يَخْرُصُونَ يتمحلون تمحلا باطلا ويتزورون زورا ظاهرا أهم يدعون دليلا عقليا سواه على مدعاهم

أَمْ يدعون دليلا نقليا بانا آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن مشتملا على اتخاذهم وادعائهم المذكور فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ متمسكون به في دعواهم هذه

بَلْ ليس لهم لا هذا ولا ذاك سوى انهم قالُوا على سبيل الحسبان والتقليد إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ طريقة معينة معهودة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ الى ما اهتدوا تقليدا لهم واقتفاء باثرهم

وَكَذلِكَ اى ومثل ما قال هؤلاء التائهون في تيه التقليد والضلال ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا أكمل الرسل فِي قَرْيَةٍ من القرى الهالكة مِنْ نَذِيرٍ من النذر الاولى إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها ومتنعموها على سبيل البطر والمفاخرة إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ اى طريقة معهودة معينة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ لا نترك ديدنة آبائنا بما اخترعتموها أنتم من تلقاء انفسكم ايها المدعون

قالَ لهم يا أكمل الرسل بعد ما سمعت منهم هذا كلاما خاليا عن وصمة المراء والمجادلة عاريا عن امارات التقليد والتخمين أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ يعنى أتقلدون وتتبعون آباءكم ايها المقلدون المسرفون ولو جئتكم بِأَهْدى اى بدين هو اهدى وانفع لكم في اولاكم واخراكم مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ اى من أديان آبائكم وتقليداتهم فتتركون الهداية وتتبعون الضلال ايها الحمقى العمى وبعد ما سمعوا منك هؤلاء المقلدون المسرفون المفرطون ما سمع أسلافهم من النذر الاولى من الهداية والرشد قالُوا مصرين على ما هم عليه إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ اى بعموم ما جئتم به ايها المدعون للرسالة كافِرُونَ منكرون جاحدون وبالجملة لا نقبل منكم أمثال هذا ولا نترك دين آبائنا ومتابعتهم بمجرد ما ابتدعتموه أنتم مراء ونسبتموه الى الله افتراء وبعد ما أصروا على ضلالهم وتقليداتهم الموروثة لهم من آبائهم ولم ينفعهم ارشاد الرسل وهدايتهم

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأخذناهم مهانين صاغرين فَانْظُرْ ايها المعتبر الناظر كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ المصرين على التكذيب

<<  <  ج: ص:  >  >>