للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاتَّقُوا اللَّهَ حق تقاته واحذروا من بطشه وانتقامه وَأَطِيعُونِ في جميع ما جئت به من عنده من الأوامر والنواهي المصلحة لمفاسد أحوالكم حتى تستقيموا وتعتدلوا في النشأة الاولى وتفوزوا بما قد وعد لكم ربكم في النشأة الاخرى

قالُوا في جوابه مستكبرين مستهزئين أَنُؤْمِنُ لَكَ ونتبعك نحن مع شرفنا وثروتنا وَالحال انه قد اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ منا الأقلّون مالا الأنزلون جاها ورتبة ومن هذا ظهر ان مناط الأمر عندهم على الحطام الدنياوية والمفاخرة بها واظهار الجاه والثروة بسببها ومتابعتهم انما هي لحصولها لا لأغراض دينية ومصلحة اخروية مصفية ببواطنهم عن العلائق المادية والشواغل الهيولانية العائقة عن الوصول الى مقر التوحيد لذلك

قالَ نوح متكأ الى الله مفوضا امره اليه وَما عِلْمِي وادراكى محيطا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ويؤملون في نفوسهم من اى غرض وسبب يؤمنون بي ويمتثلون بأمري إذ مالي اطلاع على ضمائرهم وسرائرهم بل بظواهرهم

إِنْ حِسابُهُمْ وما امر بواطنهم وأسرارهم إِلَّا عَلى رَبِّي المطلع على خفايا الأمور ومغيباتها لَوْ تَشْعُرُونَ وتدركون أنتم وتعقلون ما أبث لكم من الكلام لفهمتم ما هو الحق منه ولكنكم أنتم قوم تجهلون لذلك تقولون ما لا تعلمون ولا تفهمون

وَبعد ما سمعتم مقالتي هذه فاعلموا انى ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ونافيهم من عندي بسبب ميلكم الى واستدعاكم طردهم وتوقيفكم الايمان بي على تبعيدهم وبالجملة

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ من قبل الحق مُبِينٌ ظاهر الحجج واضح البينات والمعجزات بالنسبة الى عموم المكلفين سواء كانوا اغنياء او فقراء إذ الايمان والتوحيد والتدين والإخلاص انما هي من افعال القلوب لا مدخل للأمور الخارجية فيها التي هي الغناء والثروة والفقر والرذالة فمن وفقه الحق على التوحيد وسبقت له العناية في سابق القضاء فهو مؤمن سواء كان فقيرا او غنيا ومن سبق عليه الغضب الإلهي وكتب في لوح القضاء من الأشقياء فهو كافر ناف للصانع مشرك له سواء كان غنيا او فقيرا وبعد ما سمعوا من عدم مبالاته بهم وبشأنهم وعدم رعاية جانبهم وغبطتهم

قالُوا من فرط عتوهم واستكبارهم مقسما والله لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عن دعوتك وادعائك هذا ولم تترك هذياناتك التي قد جئت بها من تلقاء نفسك افتراء ومراء لَتَكُونَنَّ باصرارك عليها مِنَ الْمَرْجُومِينَ المقتولين زجرا وقهرا فارجع الى حالك وتب من هذياناتك حتى لا نقتلك بأقبح الوجوه وبعد ما قنط نوح عن ايمانهم وايس عن توحيدهم وعرفانهم

قالَ مشتكيا الى الله ملجأ نحوه رَبِّ يا من رباني بأنواع الكرامة ووفقني على الهداية والتوحيد إِنَّ قَوْمِي الذين قد بعثتني إليهم لأهديهم الى دينك وطريق توحيدك كَذَّبُونِ بجميع ما جئت به من عندك تكذيبا شديدا وسفهونى تسفيها بليغا بل قد قصدوا مقتى وقتلى باشد العذاب وأقبح العقاب وبالجملة ما بقي بيني وبينهم ائتلاف وارتباط

فَافْتَحْ فاحكم أنت يا رب حسب عدلك وقضائك بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً حكما مبرما منجزا لوعدك الذي وعدتني به بعد ما كذبون وانزل عليهم العذاب الموعود من عندك وَبعد إنزال العذاب عليهم نَجِّنِي منه بلطفك وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين بدينك ونبيك الممتثلين بأوامرك المجتنبين عن نواهيك بفضلك وطولك وبعد افراطهم وإصرارهم المتجاوز عن الحد في الاعراض عن الله والانصراف عن دينه وتكذيب نبيه وإيذائهم إياه والى من آمن له من المؤمنين قد انزل الله عليهم الطوفان الموعود

فَأَنْجَيْناهُ اى نوحا وَمَنْ مَعَهُ من متابعيه ومصدقيه حيث أدخلناهم فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملو منهم ومن كل شيء زوجين اثنين

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ اى بعد انجائنا وادخالنا نوحا ومن معه في الفلك أغرقنا الباقين من قومه بحيث لم

<<  <  ج: ص:  >  >>