للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِقابِ صعب الانتقام سريع الحساب

ثم ذكر سبحانه مساوي اهل الكفر والنفاق وسوء معاملتهم مع المؤمنين المخلصين ليجتنب المؤمنون عن أمثاله فقال على وجه الاخبار زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا اى قد حسن وحبب في عيونهم وارتكز في قلوبهم الْحَياةُ الدُّنْيا اى الحيوة المستعارة المنسوبة الى الدنيا وَادى أمرهم في هذا التزيين والتحسين الى ان يَسْخَرُونَ ويستهزؤن مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا اى صار المؤمنون بفقرهم وعرائهم عن امتعة الدنيا الدنية ورثاثة زيهم وحالهم محل استهزائهم وسخريتهم متى قصدوا الاستهزاء على فاقدى الدنيا أخذوا منهم وَالحال ان المؤمنين الَّذِينَ اتَّقَوْا عن لذائذ الدنيا ومزخرفاتها الفانية الغير الباقية يكونون فَوْقَهُمْ رتبة ومنزلة عند الله يَوْمَ الْقِيامَةِ المعد لجزاء الأعمال الحاصلة في النشأة الاولى وَاللَّهُ الرازق للكل يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ من عباده الرزق الدنيوي بِغَيْرِ حِسابٍ فيها ابتلاء واختبارا بل يمهلهم على تجبرهم وتكبرهم مفتخرين بمزخرفاتها الى النشأة الاخرى فيحاسبهم ويجازيهم عليها ويرزق ايضا من يشاء من عباده بالرزق الأخروي بغير حساب لا في النشأة الاولى ولا في الاخرى بل قد صار أولئك السعداء المقبولون متمكنين في حمائه سبحانه ازلا وابدا بحيث لا يشوشهم الحساب ولا تتفاوت عندهم اللذة والعذاب بل صاروا بما صاروا بلا سترة وحجاب آتنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب

ثم قال سبحانه كانَ النَّاسُ في الفطرة الاصلية والمرتبة الحقيقية الجبلية أُمَّةً واحِدَةً وملة وحدانية متوجهة الى مبدئهم الحقيقي ومقصدهم الأصلي طوعا ثم اختلفت آرائهم وتشتتت أهواءهم بمقتضيات القوى الحيوانية التي هي من جنود إبليس فظهر بينهم العداوة والبغضاء والمجادلة والمراء فَبَعَثَ اللَّهُ المدبر لأمورهم النَّبِيِّينَ من بنى نوعهم المؤيدين من عند ربهم مُبَشِّرِينَ لهم طريق الإطلاق والتوحيد وَمُنْذِرِينَ لهم عن الكثرة والتقييد وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ تصديقا لهم الْكِتابَ الجامع لعموم ما يبشر به وينذر عنه ملتبسا بِالْحَقِّ المطابق للواقع لِيَحْكُمَ كل نبي به بَيْنَ النَّاسِ المنسوبين اليه فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من امور معاشهم ومعادهم وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ اى في الكتاب المنزل إليهم بالتكذيب والإنكار احد من الناس إِلَّا القوم الَّذِينَ أُوتُوهُ اى الكتاب وما كان اختلافهم الا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ الواضحات المصدقات بانه منزل لهم من عند الله العليم الحكيم وبالجملة ما اختلفوا في عموم ما اختلفوا الا بَغْياً وعدوانا وخروجا عن طريق الحق وحسدا لأهله ناشئا من طغيانهم واقعا بَيْنَهُمْ من وساوس شياطينهم ومقتضيات اوهامهم وخيالاتهم من حب الجاه والرياسة والعتو والاستكبار فَهَدَى اللَّهُ بلطفه الَّذِينَ آمَنُوا بالنبي المبعوث إليهم والكتاب المنزل معه لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الأمور الدينية مع المعاندين المنكرين والحال انه اى اختلافهم ناشئ مِنَ الْحَقِّ الصريح المطابق للواقع واختلافهم ايضا معهم انما يكون بِإِذْنِهِ اى بامره المنزل في كتابه وَاللَّهُ المرشد الموفق لكل العباد الى ما هم عليه يَهْدِي بفضله مَنْ يَشاءُ من خلص عباده إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى بابه بلا عوج وضلال أرجوتم وطمعتم ايها المحمديون المتوجهون الى زلال التوحيد وصفو التجريد والتفريد ان تصلوا اليه بانانيتكم هذه بلا سلوك ومجاهدة وسكر وصحو وتلوين وتمكين وقيد واطلاق ونفى واثبات وفناء وبقاء هيهات هيهات

أَمْ حَسِبْتُمْ وتمنيتم متوقعا أَنْ تَدْخُلُوا فجأة بهويتكم هذه بلا افنائها وفنائها في هوية الله الْجَنَّةَ التي ارتفعت عندها الهويات واضمحلت دونها الماهيات وَلَمَّا يَأْتِكُمْ اى لم يأتكم مَثَلُ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>