للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي سمعت يا أكمل الرسل من ميلهم الى الدنيا والتفاتهم نحوها مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ والشعور المودع فيهم المتشعب من العلم اللدني الفائض عليهم من حضرة العلم الإلهي وبالجملة عليك يا أكمل الرسل ان تعرض عنهم وعن دعوتهم وإرشادهم بعد ما امرتهم به حسب العقل المفاض لهم وبالغت في تبليغهم وإرشادهم فلم يهتدوا إِنَّ رَبَّكَ الذي رباك بكمال الكرامة واصطفاك للرسالة والنيابة هُوَ أَعْلَمُ بعلمه الحضوري منك بِمَنْ ضَلَّ وانحرف عَنْ سَبِيلِهِ من عباده وبمن مال عن جادة توحيده وَهُوَ أَعْلَمُ ايضا بِمَنِ اهْتَدى منهم بهدايتك وارشادك

وَكيف لا يعلم سبحانه الضالين والمضلين والهادين والمهتدين من عباده إذ لِلَّهِ خاصة ملكا وتصرفا وخلقا وإيجادا احاطة وشمولا مظاهر ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وكذا في ما بينهما من الكوائن والفواسد الكائنة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بأعمالهم وأقوالهم بِما عَمِلُوا اى بمقتضى عدله سبحانه بلا زيادة ونقصان وَيَجْزِيَ ايضا الَّذِينَ أَحْسَنُوا ايضا كذلك بِالْحُسْنَى وزاد عليهم فوق ما استحقوا بصوالح أعمالهم ومحاسن أخلاقهم وأحوالهم تفضلا عليهم وامتنانا إليهم والمحسنون هم

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ اى يحترزون عن الآثام الكبيرة المستجلبة لغضب الله المستتبعة لعذابه ونكاله في النشأة الاخرى والمستلزمة المقتضية للحدود والكفارات بحسب الشرع الشريف في النشأة الاولى وَالْفَواحِشَ اى يحفظون ايضا نفوسهم عن الفواحش المسقطة للمروة الجالبة لانواع النكبات والوعيدات الهائلة الإلهية المقتضية للخلود في دركات النيران إِلَّا اللَّمَمَ الطارئ عليهم من الصغائر بغتة فجبروه بالتوبة دفعة فانه معفو عن مجتنبى الكبائر والفواحش قبل التوبة ايضا وكيف لا يغفر سبحانه لأصحاب اللمم لممهم إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل واسِعُ الْمَغْفِرَةِ سريع العفو شامل الرحمة هُوَ سبحانه أَعْلَمُ بِكُمْ منكم وبعموم أحوالكم واطواركم ايها المجبولون على فطرة التكليف وكيف لا يعلم سبحانه أحوالكم إِذْ هو سبحانه قد أَنْشَأَكُمْ وأظهركم مِنَ الْأَرْضِ بمقتضى سعة فضله وجوده وَرباكم بأنواع التربية وقت إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ لا شعور لكم محبوسون فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ وبالجملة يعلم منكم سبحانه جميع أحوالكم واطواركم وعموم حوائجكم الماضية والآتية فَلا تُزَكُّوا اى فعليكم ان لا تنزهوا ولا تطهروا أَنْفُسَكُمْ إذ لا علم لكم بتفاصيل أحوالكم وأعمالكم مطلقا بل هُوَ سبحانه أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى منكم وحفظ نفسه عن محارمه ومساخطه سبحانه واحترز عن منهياته. ثم قال سبحانه عبرة على المستبصرين وتوبيخا على المستكبرين

أَفَرَأَيْتَ ايها المعتبر الرائي الطاغي الباغي الَّذِي تَوَلَّى وانصرف عن اتباع الحق بعد ما آمن واسلم وأصر على اتباع الباطل عنادا ومكابرة بعد ما نوى ووعد التصدق من ماله وقت إيمانه وإسلامه ليكون كفارة لذنوبه

وَأَعْطى قَلِيلًا منه رياء وسمعة وَأَكْدى اى قطع عطاء الباقي بعد ذلك وما وفي جميع ما وعد ونذر ثم ارتد والعياذ بالله وندم على شيء قليل تصدق ايضا فأصر على ما كان عليه من الكفر والجحود ومع ذلك الردة والرجعة زعم انه برئ من الذنوب بتصدقه. نزلت في الوليد بن المغيرة كان يتبع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعيره بعض المشركين وقال تركت دين الأشياخ وضللتهم فقال أخشى عذاب الله فضمن القائل ان يتحمل عنه العذاب ان أعطاه بعض ماله وبعد ما سمع من القائل شرط العطاء فارتد والعياذ بالله عن الدين ومتابعة الرسول الأمين فاعطى بعض المشروط رياء وسمعة ثم بخل بالباقي ولم يتمه ومع ذلك كان يزعم البراءة من الذنوب لذلك عيره سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>