للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأهل العبرة والاستبصار اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قِيلَ لَهُمْ على لسان نبيهم حين أردنا أخذهم وإهلاكهم تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ اى تمتعوا وترفهوا ثلاثة ايام فكذبوا المخبر وأنكروا عليه خبره

فَعَتَوْا واستكبروا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وما تندموا وما تضرعوا مع ان المناسب لهم حينئذ هذا فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ الهائلة المهولة صبيحة اليوم الرابع وَهُمْ يَنْظُرُونَ إتيانها عيانا ولا يقدرون على دفعها بل

فَمَا اسْتَطاعُوا وما قدروا مِنْ قِيامٍ ونهوض وحركة عن أمكنتهم التي كانوا متمكنين فيها عند ظهورها وَبالجملة ما كانُوا مُنْتَصِرِينَ ممتنعين من عذابنا منتقمين منا أصلا

وَمثل ما أهلكنا المذكورين قد أهلكنا ايضا قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ اى قبل إهلاك هؤلاء الهلكى إِنَّهُمْ ايضا أمثال هؤلاء الطغاة البغاة الهالكين في تيه العتو والعناد قد كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن مقتضيات الحدود الإلهية بأنواع الكفر والفسوق والعصيان لذلك أهلكناهم بالطوفان وما كانوا منتصرين. ثم قال سبحانه إظهارا لكمال قدرته على انواع الانعام والانتقام

وَالسَّماءَ بَنَيْناها يعنى كيف يسع لهم الآباء والامتناع عن مقتضيات قدرتنا والخروج عن ربقة انقيادنا واطاعتنا ومطلق عبوديتنا مع انا قد بنينا السماء المرفوعة المحفوظة بِأَيْدٍ غالبة وقدرة كاملة وَبالجملة إِنَّا لَمُوسِعُونَ قادرون غالبون بالاستقلال والاختيار على عموم الأفعال بحيث لا يعارض فعلنا ولا ينازع أمرنا وحكمنا مطلقا

وَالْأَرْضَ ايضا قد فَرَشْناها ومهدناها بالاستقلال والاستيلاء التام فَنِعْمَ الْماهِدُونَ الباسطون نحن بلا مشاركة ومظاهرة

وَمثل ما خلقنا العلويات فواعل مؤثرات والسفليات قوابل متأثرات مِنْ كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء الظاهرة الكائنة في بقعة الإمكان وعرصة الأزمان والمكان قد خَلَقْنا زَوْجَيْنِ صنفين مزدوجين لَعَلَّكُمْ ايها المجبولون في فطرة المعرفة والتوحيد المؤيدون بالعقل المفاض المنشعب من العقل الكل تَذَكَّرُونَ فتعلمون وتنكشفون ان الكل منا بدا وإلينا يعود ولا شيء سوانا موجود وبعد ما قد ثبت عندكم ايها الموحدون المحققون ان ظهور الكل منه ورجوعه اليه سبحانه

فَفِرُّوا ايها العارفون الموحدون إِلَى اللَّهِ المسقط لعموم الإضافات عن مقتضيات عالم الناسوت وانخلعوا وتجردوا عن لوازم هوياتكم الباطلة وانانياتكم العاطلة وقل لهم يا أكمل الرسل على مقتضى شفقة النبوة إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ سبحانه نَذِيرٌ أنذركم عما يعوقكم من سلوك طريق توحيده مُبِينٌ مظهر لكم آداب الطريقة الموصلة الى مقصد الحقيقة التي هي الوحدة الذاتية الإلهية

وَبالجملة لا تَجْعَلُوا اى لا تتخذوا ولا تعتقدوا مَعَ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الكثرة والتعدد مطلقا إِلهاً آخَرَ مستحقا للاطاعة والرجوع مستقلا في الوجود وما يترتب عليه من الآثار إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنذركم من الوعيدات الهائلة العاجلة والآجلة اللاحقة عليكم بالشرك والإشراك وانواع الفسوق والعصيان

كَذلِكَ اى الأمر والحكم مثل ذلك يا أكمل الرسل انذرهم وبلغهم على وجهه بلا مبالاة باعراضهم واستهزائهم إذ ما أَتَى الضالين المسرفين الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ من الرسل الكرام إِلَّا قالُوا لهم وفي حقهم حين دعوتهم الى الايمان والتوحيد ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ مثل ما يقول هؤلاء الحمقى في شأنك يا أكمل الرسل.

ثم قال سبحانه على سبيل التعجب والإنكار

أَتَواصَوْا بِهِ أي أوصى بعضهم بعضا اى أسلافهم لا خلافهم بهذا القول والتكذيب فتواطؤوا عليه جميعا مع انه لا يمكنهم هذه التوصية في الازمنة

<<  <  ج: ص:  >  >>