وَمن علامة كفرانهم بنعم الله ونسيانهم حقوق كرمه انهم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ الواحد الأحد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية اولياء وسموهم آلِهَةً مستحقة للعبادة والرجوع في المهمات وكشف عموم الملمات لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ بهم وبشفاعتهم عن بأس الله وبطشه مع انهم جمادات
لا يَسْتَطِيعُونَ ولا يقدرون نَصْرَهُمْ اى نصر عابديهم بل وَهُمْ اى العابدون لَهُمْ اى للمعبودين جُنْدٌ مُحْضَرُونَ حولهم حافظون لهم مزينون إياهم بأنواع التزيينات وبالجملة هم اى العابدون منسلخون عن مقتضى العقل بعبادتهم إياهم واتخاذهم اولياء شفعاء وتسميتهم آلهة دون الله وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل حالهم وحال معبوداتهم فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ لك بانك شاعر او مجنون وبان كتابك شعر او من أساطير الأولين وبانك كاذب في دعوى الرسالة والنبوة وبان اخبارك بالبعث زور باطل إِنَّا نَعْلَمُ بحضرة علمنا الحضوري عموم ما يُسِرُّونَ ويضمرون في صدورهم وضمائرهم من الكفر والإنكار بتوحيدنا وباستقلالنا في ملكنا وملكوتنا وَايضا نعلم جميع ما يُعْلِنُونَ من الفسوق والعصيان والخروج عن مقتضى الحدود ظلما وعدوانا فنجازيهم على مقتضى علمنا بهم وبأعمالهم. ثم لما بالغ الكفرة المنكرون المصرون في انكار البعث وتكذيبه وجادلوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على وجه العناد والمكابرة حتى اتى ابى بن خلف بعظم بال وفته عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال متعجبا على سبيل الإنكار مستبعدا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما كذلك انا لمخرجون مبعوثون هيهات هيهات لما توعدوننا رد الله عليهم وعلى عموم من أنكر قدرته على البعث فقال
أَينكر المنكر المصر قدرتنا على اعادة الروح الى الأبدان وَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ المجبول على الدراية والشعور ولم يتذكر ولم يعلم أَنَّا خَلَقْناهُ وقدرنا وجوده أولا مِنْ نُطْفَةٍ مهينة وهي أرذل من التراب وانزل رتبة فَإِذا هُوَ اليوم بعد ما قد سويناه رجلا كاملا في العقل والرشد خَصِيمٌ مُبِينٌ مجادل مكابر زعيم ظاهر المراء والمجادلة معنا منكرا لقدرتنا مع انه قد كان جمادا أرذل في نهاية الرذالة والخساسة
وَما يستحيى منا ومن قدرتنا حتى ضَرَبَ لَنا مَثَلًا موضحا لنفى قدرتنا وَقد نَسِيَ خَلْقَهُ اى خلقنا إياه ومن كمال نسيانه وضلاله قالَ متعجبا مستبعدا على سبيل الإنكار مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ البالية وَالحال انه هِيَ رَمِيمٌ بال في غاية البلى بحيث تفتت اجزاؤها وتطيرت بالرياح
قُلْ يا أكمل الرسل في جوابهم بعد ما قد بالغوا في الإنكار والاستبعاد يُحْيِيهَا اى العظام ويعيد الروح إليها القادر المقتدر الَّذِي أَنْشَأَها اى أوجدها وابدعها أَوَّلَ مَرَّةٍ من كتم العدم إنشاء إبداعيا بلا سبق مادة ومدة وَان استبعدوا واستحالوا جمع الاجزاء المنبثة المفتتة الممتزجة بعضها مع بعض الى حيث يستحيل امتيازها وافتراقها أصلا قل هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ ومخلوق من نقير وقطمير عَلِيمٌ بعلمه الحضوري لا يغيب عن حيطة حضرة علمه ذرة ولا يشتبه عليه شيء من معلوماته فله سبحانه ان يميز أجزاء كل شخص شخص ويركبها على الوجه
الَّذِي كان عليه في النشأة الاولى ثم يعيد الروح اليه فصار حيا كما كان وما ذلك على الله بعزيز وكيف لا يقدر العليم الحكيم على امتياز أجزاء الأنام والتيامها واعادة الروح إليها إذ هو القادر المقتدر الذي جَعَلَ لَكُمْ ايها المكلفون حسب علمه وقدرته مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ الرطب الذي يتقاطر منه الماء ناراً مع ان بين الماء والنار من التضاد وكيف تنكرون إخراج النار من الشجر الرطب فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ