للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَجْزِيَ اللَّهُ المجازى لاعمال عباده الصَّادِقِينَ المخلصين منهم بِصِدْقِهِمْ وبمقتضى وفائهم وايفائهم جزاء حسنا يناسب صدقهم وإخلاصهم او بواسطة صدقهم وإخلاصهم وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ منهم ويجازيهم حسب كفرهم ونفاقهم تعذيبا مخلدا مؤبدا إِنْ شاءَ سبحانه وتعلق ارادته ومشيته بتخليدهم في العذاب أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ويوفقهم على الايمان والإخلاص ان تعلق ارادته بانقاذهم من العذاب الأبدي إِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر على عموم ما أحاط به تحت علمه وقدرته كانَ غَفُوراً ساتر الذنوب ممن وفقهم على التوبة من عصاة عباده رَحِيماً يقبل توبتهم ويرحم عليهم بعد ما أخلصوا فيها

وَمن غاية لطف الله على المؤمنين ووفور رحمته وإحسانه عليهم رَدَّ اللَّهُ عنهم كيد أعدائهم الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى الأحزاب المزدحمين حواليهم المتفقين على مقتهم بِغَيْظِهِمْ يعنى مع شدة غيظهم وشكيمتهم في مقت المؤمنين ووفور تهورهم وجرأتهم عليه لذلك طردهم سبحانه خائبين خاسرين بحيث لَمْ يَنالُوا خَيْراً مما أملوا في نفوسهم من الظفر على المؤمنين واستئصالهم وَمن كمال رأفته سبحانه على المؤمنين قد كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ اى أسقط وكف مؤنة قتالهم مع الأحزاب بريح الصبا وجنود الملائكة بحيث لم يقدم احد من المؤمنين لقتالهم فانهزموا الى حيث لم يلتفت احد منهم خلفه ولم يعاون أخاه وَليس ببدع من الله أمثال هذه الكرامات سيما لأنبيائه وأوليائه إذ قد كانَ اللَّهُ المراقب لأحوال عباده قَوِيًّا قديرا في نفسه يقوى أولياءه عَزِيزاً غالبا ينصرهم ويغلبهم على أعدائهم فضلا لهم وكرامة عليهم

وَبعد ما قد كفى الله المؤمنين مؤنة الأحزاب أراد ان يكفيهم مؤنة معاونيهم ايضا لذلك قد أَنْزَلَ سبحانه الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ وعاونوهم اى الأحزاب مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعنى يهود قريظة والنضير مِنْ صَياصِيهِمْ اى حصونهم وقلاعهم جمع صئصئة وهي ما يتحصن به من الجبل وغيره وذلك بعد ما انهزم الأحزاب ورجعوا خائبين خاسرين الى بلادهم ورجع صلّى الله عليه وسلّم الى المدينة مع أصحابه وشرع يغسل رأسه والأصحاب قد انتزعوا عن أسلحتهم فجاءه جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم معتجرا بعمامة من إستبرق والنقع على ثناياه وعلى فرسه الذي اسمه حيزوم وقال قد وضعتم أنتم السلاح ان الملائكة لم تضع أسلحتها منذ أربعين ليلة ان الله يأمرك بالمسير الى قريظة وانى نزلزل حصونهم وكان صلّى الله عليه وسلّم قد غسل نصف رأسه فعصبه واذن بالرحيل فقال من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا في بنى قريظة واعطى رايته عليا كرم الله وجهه فسار بالناس حتى دنى من الحصن فحاصرهم عليه السلام احدى وعشرين او خمسا وعشرين ليلة وأجهدهم الحصار وضعفوا وَقد قَذَفَ الله والقى فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ والخوف مع كونهم متحصنين فأرسل عليه السلام عليهم فقال لهم أتنزلون بحكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا بحكمه فنزلوا فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم ونسائهم فكبر النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لقد حكمت بحكم الله يا سعد من فوق سبعة ارقعة فقتل منهم ستمائة او اكثر وأسر منهم سبعمائة كما قال سبحانه فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَبعد ما استأصلوا بالأسر والقتل قد أَوْرَثَكُمْ الله سبحانه إليكم ايها المؤمنون أَرْضَهُمْ مزارعهم وَدِيارَهُمْ التي يسكنون فيها مع ما فيها من الامتعة والرخوة وَأَمْوالَهُمْ مواشيهم ونقودهم وتجاراتهم تفضلا عليكم وامتنانا وَكذا قد يتفضل عليكم سبحانه ويورثكم أَرْضاً كثيرة لَمْ تَطَؤُها قط ولم تتحركوا عليها بل لم تبصروها ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>