للعصاة المتمردين الخارجين عن ربقة العبودية المنصرفين عن صراط التوحيد وجادة السلامة بترك مقتضيات الحدود الإلهية لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ من عند الله بتقواكم عن محارمه ومحظوراته
وَهم ايضا أمثالكم ايها الأخلاف المفرطون في الاعراض عن الحق وسبيله بل ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مشيرة لهم الى ما يعنيهم ويليق بحالهم رادعة لهم عما لا يعنيهم مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ الصادرة عن محض الحكمة والعدالة إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ مكذبين لها مستهزئين ممن جاء به أمثالكم
وَبالجملة هم من كمال قسوتهم وبغيهم أمثالكم إِذا قِيلَ لَهُمْ امحاضا للنصح وتنبيها لهم على محض الخير أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من فواضل نعمكم الى الفقراء الفاقدين لها لتتصفوا بالكرم وتفوزوا بمرتبة الإيثار قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وكذبوا منهم بآيات الله بعد ما سمعوا الأمر الإلهي الوارد على الانفاق من ألسن المرسلين لِلَّذِينَ آمَنُوا اى المصدقين الممتثلين بأوامر الله ونواهيه ايمانا واحتسابا على سبيل الإنكار والاستبعاد أَنُطْعِمُ اى أتأمروننا ايها الجاهلون الضالون ان نعطى ونطعم مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ القادر المقتدر على اطعام عباده جملة أَطْعَمَهُ وبعد ما لم يشأ مع قدرته لم يطعمهم فأنتم من تلقاء انفسكم تأمروننا بالاطعام وبالجملة إِنْ أَنْتُمْ اى ما أنتم بدينكم هذا أوامركم بما لا يشاء ولا يرضى منه سبحانه إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية عظيمة ظاهرة ادّعيتم الايمان بالله وأمرتم بخلاف مشيته وارادته
وَمهما سمعوا من المؤمنين أمثال هذه الأوامر الجالبة لروح الله ورحمته في اليوم الموعود يَقُولُونَ على سبيل الاستهزاء والتهكم مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي أوعدتمونا به عينوا لنا وقته إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم يعنون به صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. ثم قال سبحانه في جواب هؤلاء الضالين المبطلين
ما يَنْظُرُونَ وينتظرون هؤلاء المنكرون المعاندون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هائلة تَأْخُذُهُمْ بغتة وَهُمْ حين وقوعها يَخِصِّمُونَ اى يختصمون ويتخاصمون اى بعضهم مع بعض في العقود والمعاملات ومتى ما جاءتهم الصيحة الفظيعة الفجيعة
فَلا يَسْتَطِيعُونَ ولا يقدرون تَوْصِيَةً وإيصاء كما هو المعروف من الناس في حال النزع اى لا يمهلهم الفزع المهلك مقدار ان يأتوا بالوصية وَلا يمهلهم ايضا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ اى ينقلبون الى بيوتهم ويتكلمون مع أهليهم
وَبالجملة متى سمعوا الصيحة الاولى ماتوا فجاءة بلا امهال لهم ساعة وطرفة وبعد ما ماتوا بالصيحة الاولى وصاروا كسائر الأموات نُفِخَ فِي الصُّورِ مرة اخرى بعد الصيحة الاولى فَإِذا هُمْ اى جميع الأموات صاروا احياء قائمين هائمين خارجين مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور إِلى رَبِّهِمْ الذي يناديهم للعرض والجزاء يَنْسِلُونَ يذهبون ويسرعون طوعا وكرها إذ لا مرجع لهم سواه ولا ملجأ الا هو. ثم لما أفاقوا من ولههم وحيرتهم ورأوا مقدمات العذاب والنكال
قالُوا اى بعضهم لبعض متحيرين متحسرين يا وَيْلَنا وهلكنا تعال تعال فهذا أوانك مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا اى قبورنا التي قد كنا مقبورين مستورين فيها يعنى كل منا مستور عن صاحبه وان كان هناك عذاب ايضا لكن لا تفضيح فيه او المعنى من أيقظنا عن نومنا الذي كنا عليه قبل النفخة الثانية المحيية او بعد النفخة الاولى المميتة وبالجملة انما قالوا ما قالوا تحسرا وتحزنا ثم قيل لهم من قبل الحق هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ اى يومكم هذا هو اليوم الموعود الذي قد وعده الرحمن وأخبره على ألسنة رسله وكتبه لينقذكم من عذابه بمقتضى سعة رحمته وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ في جميع ما جاءوا به من قبل ربهم من الأمور المتعلقة بالنشأة الاخرى وأنتم من