للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث لا يرجى منهم الاطلاع والوقوف أصلا لكثافة حجبهم وغلظ اغطيتهم واغشيتهم لذلك لم يتدرجوا من عالم الكون والفساد ومضيق الإمكان وما يترتب عليه من اللذات الوهمية البهيمية الى عالم الغيب وفضاء وجوب الوجود وما يترتب عليه من الكشف والشهود وانواع المعارف والحقائق الفائضة منه سبحانه بمقتضى الجود

أَيقنعون بهذه المزخرفات الفانية أولئك الضالون الغافلون ويرضون أنفسهم بلذاتها الوهمية وشهواتها البهيمية وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ولم يتدبروا في آلائه ونعمائه الفائضة على الترادف والتوالي في الآفاق على الصور العجيبة والهيآت الغريبة سيما فِي أَنْفُسِهِمْ التي هي اقرب الأشياء إليهم وابدعها نظما وتركيبا وأعجبها ظهورا وبروزا وأشملها تصرفا وأكملها علما ومعرفة وأعلاها شأنا وأوضحها برهانا لذلك ما وسع الحق الا فيها وما انعكس أوصافه وأسماؤه الا منها وقد استحقت اى بخصوصها من بين سائر مظاهره سبحانه بخلعة خلافته ونيابته أيطمئنون بهذه المزخرفات الزائلة الخسيسة ولم يعبروا منها الى مباديها التي هي الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية مع انهم هم مجبولون على الجواز والعبرة بحسب اصل الفطرة ولم يعلموا ولم يتفطنوا انه ما خَلَقَ واظهر اللَّهُ الحكيم المتقن في عموم أفعاله السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى عموم العلويات والسفليات وَما بَيْنَهُما من البرازخ المتكونة من امتزاجاتهما واختلاطاتهما أثرا وأجزاء إِلَّا خلقا وإظهارا ملتبسا بِالْحَقِّ منتهيا اليه اعادة وإبداء لكنه قد قدر بقاءه وظهوره بوقت معين وَأَجَلٍ مُسَمًّى عنده وحين انقضائه قد انتهى اليه ورجع نحوه عموم ما ظهر من الموجود وانتفى وفنى جميع ما قد لمع عليه برق الوجود وحينئذ لم يبق في فضاء الوجود سوى الله الواحد القهار لعموم الاظلال والأغيار وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ المجبولين على النسيان والكفران بِلِقاءِ رَبِّهِمْ في النشأة الاخرى لَكافِرُونَ منكرون جاحدون عتوا واستكبارا مغرورين بما عندهم من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية

أَوَلَمْ يَسِيرُوا أولئك المسرفون المفرطون فِي اقطار الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا بنظر العبرة والاستبصار كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المسرفين الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ كعاد وثمود مع انهما قد كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً لدلالة آثارهم واطلالهم على غاية تمكنهم واقتدارهم وَمن دلائل قوتهم وتمكنهم انهم قد أَثارُوا الْأَرْضَ وقلبوها للمعادن وإخراج العيون والقنوات واجراء الأنهار واحداث الحرث والزراعات وغير ذلك وَبالجملة قد عَمَرُوها أولئك فيما مضى أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها هؤلاء اليوم فدل زيادة عمارتهم على ازدياد قوتهم وتمكنهم وبعد ما أفسدوا على أنفسهم بأنواع الفسادات مباهين بمالهم وجاههم قد قلبنا عليهم أمرهم وشأنهم حيث أرسلنا إليهم رسلا مؤيدين من لدنا بأنواع المعجزات والبينات وَلما جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ القاطعة والبراهين الساطعة فاجؤا أولئك الضالون المسرفون على تكذيبهم وانكارهم بلا تأمل وتدبر فيما جاءوا به فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر فاستأصلناهم وقلبنا عليهم أماكنهم وخربنا بلادهم ومزارعهم فَما كانَ اللَّهُ العزيز المقتدر الحكيم المتقن لِيَظْلِمَهُمْ ويفعل بهم فعل الظلمة بان يأخذهم بلا جرم صدر عنهم موجب لانتقامهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ اى يظلمون أنفسهم بعتوهم واستكبارهم على ضعفاء عباد الله وتكذيب خلص أنبيائه ورسله وأوليائه وخروجهم عن مقتضى حدوده الموضوعة على محض العدالة

ثُمَّ بعد ما قد تمادوا في الغفلة والعصيان وتكذيب الرسل والطغيان على خلص العباد وانواع الإساءة والأذى عليهم قد كانَ عاقِبَةَ القوم الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>