للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ

ثم لما انتشر الخبر واجتمعوا في المعبد مزدحمين متشاورين في انتقامه واستقر رأيهم بعد ما تمادى مشورتهم الى ان قالُوا متفقين فَأْتُوا بِهِ اى بإبراهيم عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ ورؤس الملأ والاشهاد لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ يحضرون ويجتمعون يعنى جميع العبدة لقتله وإهلاكه لينال كل منهم نصيبه من نصر الالهة

ثم لما حضر نمرود واجتمع معه اشراف مملكته وازدحم العوام والخواص واحضروه لينتقموا عنه قالُوا له أولا على سبيل التعيير والتقريع أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا الفعل الشنيع والأمر الفظيع الفجيع بِآلِهَتِنا ومعبوداتنا يا إِبْراهِيمُ المرذول المجهول

قالَ في جوابهم بمقتضى اعتقادهم وزعمهم انا عبد مألوه مربوب وهم آلهة معبودون كيف أقدر أن افعل بهم هذا بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا أشار الى الصنم الكبير الغير المنكسر قد فعل هذا معهم هكذا لئلا يشاركوا معه في المعبودية والألوهية وان شككتم انه هل فعل هذا أم انا فَسْئَلُوهُمْ اى الآلهة إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ يعنى ان اعتقدتم نطقهم وتكليمهم مع انهم آلهة ومن لوازم الألوهية التكلم والتنطق بل أنتم تعتقدون ان هؤلاء خلقوا عموم اهل التكلم واللسان فهم اولى وأحق بجواب سؤالكم هذا

ثم لما سمعوا منه ما سمعوا فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ متأملين اى رجع كل منهم الى وجدانه ونفسه متفكرا متدبرا في قوله وكلامه فَقالُوا اى كل منهم في سره ونجواه إِنَّكُمْ ايها الجاهلون الغافلون عن قدر الألوهية والربوبية أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ المقصورون على الخروج عن مقتضى العقل الفطري والرشد الجبلي ما هذا الا تماثيل مصنوعة لكم منحوتة بأيديكم من اين يوجدكم ويحقكم بل أنتم موجدو هؤلاء ومخترعوهم

ثُمَّ لما تفرسوا بخطئهم وتفطنوا بحقية ابراهيم وصدقه في مقاله قد أزعجتهم الغيرة البشرية والحمية الجاهلية الى المراء والمجادلة معه لذلك نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ يعنى بعد ما عملوا أعلى الأمر وأسفله وفرقوا بين الحق والباطل فرقا ظاهرا أرادوا ان ينقلبوا الأمر وعكسوه عنادا ومكابرة حيث قالوا لَقَدْ عَلِمْتَ ايها المجادل المفتون ما هؤُلاءِ الآلهة يَنْطِقُونَ إذ هم جمادات لاحس لهم ولا شعور كيف يتيسر لهم التكلم والتنطق وبعد ما اعترفوا بجمادية آلهتهم وعدم قابليتهم للنطق والتكلم

قالَ ابراهيم موبخا عليهم ومقرعا أَما تستحيون وما تخجلون ايها الضالون المكابرون فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الواحد الأحد المتوحد بالالوهية والربوبية المستقل بعموم التصرفات الواقعة في عالم الغيب والشهادة ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ اى أصناما وأوثانا لا يرجى منهم النفع ولا الضر

ثم قال على سبيل الضجرة والاستكراه عن أمرهم والتأسف على ضيعة عقلهم المفاض لهم من ربهم لمصلحة المعرفة والايمان أُفٍّ لَكُمْ اى قبحا لكم ايها المطرودون المردودون عن زمرة العقلاء وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ المستقل للنفع والضرر وجلب انواع الخيرات ودفع اصناف المضار أَفَلا تَعْقِلُونَ ايها المتخذون لله شركاء ولا تستعملون عقولكم الموهوبة لكم لكسب المعارف والحقائق لتتفطنوا الى سرائر التوحيد الخالي عن شوب التخمين وشين التقليد ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ثم لما سمعوا منه التعيير والتشنيع الشنيع قد ثارت نار حميتهم واشتد غيظ غيرتهم

حيث قالُوا بعد ما شاوروا كثيرا في كيفية إهلاكه وانتقامه حَرِّقُوهُ إذ لا عذاب اهول وأفزع منه وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بتحريق هذا الظالم ولما كان تعذيبهم إياه لأجل آلهتهم لذلك اختاروا تعذيبه بالنار لان التعذيب بالنار مخصوص بالإله. كما قال صلّى الله عليه وسلّم لا يعذب بالنار غير خالقها وفعلوا معه كذلك إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>