للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النشأتين ولهذا قد صيرهم سبحانه أُولِي أَجْنِحَةٍ متعددة متفاوتة تسرعون بها نحو مصلحة قد بعثهم الله إليها وأمرهم بتبليغها مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يعنى لبعضهم اجنحة اثنين اثنين ولبعضهم ثلاثة ثلاثة ولبعضهم اربعة اربعة الى ما شاء الله بلا انحصار في عدد دون عدد بل يَزِيدُ سبحانه فِي الْخَلْقِ يعنى في جميع مخلوقاته الداخلة تحت قدرته واختياره ما يَشاءُ بلا عد وحد وحصر وإحصاء إذ لا ينتهى قدرته دون مقدور له بل له ان يتصرف فيه الى ما لا يتناهى. كما روى انه صلّى الله عليه وسلّم قد رأى جبرائيل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح وهذا دليل على ان ذكر العدد هاهنا ليس للحصر فالآية تدل ايضا على ان له سبحانه ان يتصرف في ملكه وملكوته كم شاء وكيف شاء ومتى شاء فيجوز ان يخلق أنواعا لم يخلقها قبل من أى جنس كان ويخلق ايضا في فرد من نوع أمورا عجيبة من الملاحة والصباحة والرشاقة وحسن الصوت والصورة وكمال العقل ورزانة الرأى وفطانة الذهن وخواص غريبة لم يخلقها قبل لافراد أخر من هذا النوع ولهذا يتفاوت اشخاص الإنسان في المعارف والحقائق وجميع الأمور المتعلقة بالعقل المتفرع على الإدراك بحسب الأدوار والأعصار بل في زمان واحد ايضا إذ بعضهم في نهاية البلادة وبعضهم في كمال الجلادة وبعضهم في كمال الحسن واللطافة وبعضهم في نهاية القباحة والكثافة وبالجملة له سبحانه التصرف المطلق في ملكه وملكوته بالاستقلال والاختيار بلا فترة وفتور في علمه وقدرته وارادته إذ هو سبحانه منزه عن المسامحة والملال وأوصافه بريئة عن وصمة الغرة والكلال وبالجملة إِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر بالقدرة التامة عَلى كُلِّ شَيْءٍ تعلق به ارادته ومشيته قَدِيرٌ لا بد ان يتكون باختياره بلا خلف عموم ما قد لمع عليه برق ارادته ومن كمال قدرته سبحانه انه

ما يَفْتَحِ اللَّهُ المدبر لأحوال عباده لِلنَّاسِ الناسين حقوق تربيته وتدبيره سبحانه مِنْ رَحْمَةٍ فائضة لهم بمقتضى جوده تفضلا عليهم من النبوة والرسالة والولاية والكرامة والعلم والمعرفة والرشد والهداية وغير ذلك من الكمالات الفائضة من عنده سبحانه فَلا مُمْسِكَ لَها ولا مانع يمنعهم عنها وَما يُمْسِكْ ويمنع سبحانه من امر بمقتضى قهره وجلاله فَلا مُرْسِلَ لَهُ يرسل إليهم مِنْ بَعْدِهِ يعنى بعد منعه سبحانه وإمساكه وَكيف يسع لاحد ان يرسل ما يمنعه إذ هُوَ الْعَزِيزُ المقصور المنحصر في ذاته على العزة والغلبة الذاتية إذ لا عزيز دونه الْحَكِيمُ المستقل في المنع والإرسال ارادة واختيارا لا يسأل عن فعله ولا مبدل لقوله ولا معقب لحكمه ثم نادى سبحانه اهل النعمة وخاطبهم ليقبلوا عليه ويواظبوا على شكر نعمه فقال

يا أَيُّهَا النَّاسُ المجبولون على الغفلة والنسيان اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ الفائضة عَلَيْكُمْ واشكروا له سبحانه أداء لحقوق كرمه وتفكروا في عموم آلائه ونعمائه وتذكروا هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ المتوحد بوجوب الوجود ودوام البقاء يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يعنى من امتزاج العلويات بالسفليات واختلاط الفواعل والأسباب مع القوابل والمسببات المسخرة تحت قدرة الحكيم العليم لينكشف لكم ويتبين دونكم انه لا إِلهَ يعبد بالحق ويتوجه نحوه في الخطوب والملمات ويسند الحوادث الكائنة الى حكمه والنعم الفائضة الى فضله وجوده إِلَّا هُوَ الله الحق الحقيق بالاطاعة والرجوع إذ لا مرجع سواه ولا مقصد غيره فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ والى اين تنصرفون عن توحيده وكيف تردون عن بابه ايها الآفكون المجرمون وبعد ما قد بعثت يا أكمل الرسل لإرشاد اهل الحيرة والضلال وتبليغ الرسالة إليهم فلك ان تصبر على عموم المتاعب والمشاق الواردة في حملها

وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>