للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبَيَّنَ لَكُمْ

وظهر عندكم ولاح لديكم ايها الناظرون المعتبرون عتوهم واستكبارهم مِنْ مَساكِنِهِمْ الرفيعة وحصونهم الحصينة المنيعة وَذلك بأنهم قوم ضالون منحرفون عن جادة العدالة قد زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وحسنها في نفوسهم فاستبدوا بها فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعنى قد اعرضهم الشيطان بتزيين أعمالهم الفاسدة عليهم عن الصراط المستقيم والطريق المستبين وَهم كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ مجبولين على العبرة والبصارة متمكنين قادرين على الاستبصار والاعتبار فلم يعتبروا مع انه لم يسلب عنهم لوازم عقولهم بل قد لبس عليهم الشيطان أفعالهم وحسن عندهم أعمالهم فظنوا انهم مهتدون وهم ما كانوا مهتدين

وَاذكر يا أكمل الرسل قارُونَ المباهي بالمال والنسب على اهل عصره وزمانه وَفِرْعَوْنَ المستعلى بالسلطنة والملك الى ان تفوه من غاية عتوه واستكباره بدعوى الألوهية لنفسه وَهامانَ وزيره وقد تفوق على اقرانه واهل زمانه بالثروة والجاه والنيابة الكاملة وعلو المكانة والمنزلة بين الأنام وَمن كمال تعنت هؤلاء المفسدين المسرفين المفرطين وغاية استعلائهم ونهاية كبرهم وخيلائهم لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى مصحوبا بوحينا رسولا منا إياهم ليهديهم الى طريق الحق والصراط المستقيم فكذبوه ولم ينالوا به وبكلامه مع كونه مؤيدا من لدنا بِالْبَيِّناتِ القاطعة والمعجزات الساطعة فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ على الله وعلى رسله وعموم عباده وانصرفوا عن مطلق أوامره سبحانه ونواهيه منكرين وجوده وإرساله ووحيه عنادا ومكابرة وَمع ذلك ما كانُوا سابِقِينَ بنا حافظين نفوسهم عن عذابنا إياهم وانتقامنا عنهم

فَكُلًّا منهم قد أَخَذْنا بِذَنْبِهِ الذي قد صار علة موجبة لبطشنا وانتقامنا بمقتضى عذلنا. ثم فصل سبحانه كيفية اخذه إياهم بعد ما أجمل فقال فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً اى ريحا عاصفة فيها حصباء رميناهم بها ورجمناهم كقوم لوط وعاد وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ الهائلة المهولة كثمود واصحاب مدين وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون وبما معه من زخارفه التي هي سبب بغيه وطغيانه وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كقوم نوح وفرعون وهامان وجميع جنودهما واتباعهما وبالجملة ما أخذنا كلا منهم الا بذنوب عظيمة قد صدرت عنهم على سبيل الإصرار والاغترار وَما كانَ اللَّهُ المستوي على العدل القويم والطريق المستقيم وما صح عليه وما حق له سبحانه لِيَظْلِمَهُمْ ويأخذهم عدوانا بلا ذنب صدر عنهم موجب لاخذهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ اى وهم قد كانوا يظلمون أنفسهم باستجلاب عذاب الله عليها بارتكاب أسبابه وموجباته وعرضها على غضب الله بالخروج عن مقتضى أوامره ونواهيه وما ذلك الا من رسوخ التقليدات والتخمينات في نفوسهم واستقرار الرسوم والعادات المألوفة المأنوسة الموروثة لهم من أسلافهم في جبلتهم لذلك قد أصروا على ما هم عليه وانصرفوا عن سواء السبيل فكذبوا الرسل الهادين اليه وأنكروا عليهم عتوا واستكبارا فهلكوا خسارا وبوارا. ثم أشار سبحانه الى توهين عموم التقليدات والتخمينات الحاصلة من اهوية النفوس الخبيثة المعتادة بالماديات والعقول السخيفة المكدرة بكدورات الأوهام والخيالات فقال على سبيل التمثيل والتشبيه بمقتضى ادراك العوام توضيحا لهم ليتنبهوا على طريق الحق ويتفطنوا بالتوحيد القويم

مَثَلُ القوم الَّذِينَ اتَّخَذُوا وأخذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ المنزه عن الأشباه والأنداد مطلقا أَوْلِياءَ يوالونهم كولاية الله ويعبدونهم مثل عبادته متوهمين انهم شركاء معه سبحانه أم شفعاء لهم عنده سبحانه مع انهم في أنفسهم لا يتأتى منهم لا الشركة ولا الشفاعة قطعا انما مثلهم في هذا الاتخاذ والاعتقاد

<<  <  ج: ص:  >  >>