للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصحاب التكذيب والاستكبار فقال

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى يعنى لما اضطربت أنت بتكذيب قومك وانكارهم عليك واعراضهم عن هدايتك وارشادك يا أكمل الرسل أليس قد أتاك حديث أخيك موسى الكليم حتى يسليك ويزيح كربك ويرشدك الى الصبر والثبات مثل أخيك موسى عليه السلام حتى تظفر على أعدائك مثله وذلك وقت

إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بلا وسيلة الملك وسفارة السفير إذ هو حينئذ من افراط المحبة بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ عن رذائل الأغيار وعن الالتفات الى ما سوى الملك الجبار طُوىً اى قد طويت دونه حينئذ مطلق التعينات والنقوش والتموجات الطارية على بحر الوجود من عواصف الإضافات المتموجة والنكبات وبعد ما قد تقرر عليه السلام في مقعد الصدق وتمكن على مكمن اللاهوت امره سبحانه بالالتفات الى عالم الناسوت والرجعة نحوه للإرشاد والتكميل تتميما لقضية الحكمة البالغة المتقنة الإلهية بقوله

اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ العالي العاتي الطاغي الباغي إِنَّهُ قد طَغى وتجاوز عن مقتضى العبودية طغيانا فاحشا الى ان قد ادعى الألوهية لنفسه

فَقُلْ له مستفهما أولا على طريقة الملاينة اللازمة لمرتبة النبوة والإرشاد هَلْ لَكَ بعد ما انحرفت عن جادة العبودية بهذه الدعوى الكاذبة الباطلة ميل إِلى أَنْ تَزَكَّى تتزكى وتتطهر عن رذائل الكفر ونقيصة الظلم والعدوان

وَأَهْدِيَكَ وأرشدك انا باذن الله ووحيه إِلى توحيد رَبِّكَ وتقديس مربيك الذي قد أظهرك من كتم العدم ورباك بأنواع اللطف والكرم وبعد ما تعرف أنت وحدة ربك وتؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وتصدق أنت بكمال قدرته واقتداره على وجوه الانتقامات والإنعامات باستقلاله في عموم التدبيرات والتصرفات فَتَخْشى

حينئذ عن بطشه وقهره وتشتغل بأداء المأمورات وترك المنكرات والمحرمات والاجتناب عن مطلق المنهيات وبالجملة تكون أنت حينئذ من زمرة ارباب العناية والكرامات وتتخلص من نيران الطبيعة ودركاتها وبعد ما ذهب موسى بمقتضى امر الله ووحيه الى فرعون الطاغي الباغي وبالغ في التبليغ واظهار الدعوة والملاينة على وجه الرفق والمداراة

فَأَراهُ على سبيل التبيين والتوضيح الْآيَةَ الْكُبْرى يعنى العصا وتقليبها حية او جنس الآيات النازلة عليه وبعد ما سمع فرعون من موسى ما سمع ورأى من الآيات ما رأى استكبر وغوى

فَكَذَّبَ موسى واستكبر عليه وَعَصى المولى وزاد بغيا وطغيانا

ثُمَّ بعد ما اقبل عليه موسى للإرشاد والتكميل بأمر الله قد أَدْبَرَ واستدبر فرعون عن الإقبال بل اقبل على البغي والضلال لذلك يَسْعى ويجتهد في المعارضة والابطال

فَحَشَرَ جنوده وسحرة بلاده فَنادى على رؤس الملأ على سبيل الاستعلاء والاستكبار

فَقالَ ذلك المسرف المفرط من كمال البطر والافتخار أَنَا رَبُّكُمُ ومربيكم الأجل الْأَعْلى من كل من يلي أمركم ايها البرايا. ثم لما أفرط اللعين في البغي والطغيان وبالغ في الظلم والعدوان

فَأَخَذَهُ اللَّهُ القدير القهار بمقتضى اسمه المضل المذل فجعل سبحانه طغيانه وعدوانه في النشأة الاولى نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى اى سبب الأغلال والسلاسل في النشأة الاخرى وسببا للاهلاك والإغراق ايضا في النشأة الاولى

إِنَّ فِي ذلِكَ الشأن الذي قد جرى على فرعون من انواع البلاء في النشأة الاولى والاخرى لَعِبْرَةً وعظة عظيمة وتذكيرا بليغا لِمَنْ يَخْشى من غضب الله وعن مقتضيات قهره وجلاله. ثم أشار سبحانه الى توبيخ مطلق المنكرين للنشأة الاخرى وتقريعهم وتسفيههم بمقتضى عقلهم فقال

أَأَنْتُمْ ايها المنكرون المفرطون المسرفون

<<  <  ج: ص:  >  >>