يهينهم فيها بدل ما استهانوا بكتاب الله واستهزؤا برسله ظلما وزورا بلا تدرب وتدبر
وَمن شدة شكيمته وبغضه بالله ورسوله وكتابه ونهاية عتوه وعناده إِذا تُتْلى عَلَيْهِ وقرئ عنده آياتُنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا وَلَّى عنها واعرض عن استماعها وانصرف عن قبولها حال كونه مُسْتَكْبِراً عليها متجافيا كشحه عنها كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها مع انها تتلى عليه مرارا قصدا لاستماعه ولم يلتفت إليها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً صمما يعوقه عن السماع والاستماع فَبَشِّرْهُ يا أكمل الرسل بعد ما اعرض عن كتاب الله واستنكف عن استماعه واصغائه مستحقا عليه مستحقرا إياه بِعَذابٍ أَلِيمٍ مؤلم في غاية الشدة والألم ثم عقب سبحانه وعيد الكفرة الهالكين في تيه الغي والضلال بوعد المؤمنين بمقتضى سنته المستمرة فقال
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بتوحيد الله وصدقوا رسله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المرضية له سبحانه المقبولة عنده بمقتضى ما نزل عليهم من الآيات الواردة من لدنه سبحانه إياهم المصفية لظواهرهم وبواطنهم لَهُمْ في النشأة الاخرى جزاء ما أتوا به من الايمان والعمل الصالح في النشأة الاولى جَنَّاتُ النَّعِيمِ متنزهات مملوة بأنواع النعم واصناف الجود والكرم لا يتحولون منها أصلا بل يصيرون
خالِدِينَ فِيها مترفهين بنعيمها لا يمسهم فيها نصب ولا وصب وَعْدَ اللَّهِ الذي قد وعد لخلص عباده من عنده بمقتضى علمه وارادته لا بد له ان ينجزه حَقًّا صدقا بلا خلف وتردد وَكيف يخلف سبحانه في وعده مع انه سبحانه هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على جميع ما دخل في حيطة حضرة علمه المحيط وارادته التامة الْحَكِيمُ المتقن في إيجاده وإظهاره على الوجه الذي أراد وشاء ومن جملة حكمته المتقنة المتفرعة على حضرة علمه المحيط وقدرته الشاملة وارادته الكاملة انه قد
خَلَقَ واظهر السَّماواتِ وعالم الأسباب بِغَيْرِ عَمَدٍ وأسانيد وأسطوانات على الوجه الذي تَرَوْنَها معلقة على الأرض بلا استناد واتكاء وَكذا قد أَلْقى فِي الْأَرْضِ التي هي عالم المسببات رَواسِيَ شامخات وجبالا راسيات كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وتميل عليكم وقت ترددكم وتحرككم عليها وَبَثَّ فِيها وبسط عليها ونشر مِنْ كُلِّ دابَّةٍ تتحرك عليها متبادلة متقابلة كيف اتفق لتستقر وتمكن لان طبيعتها في حد ذاتها كانت على الحركة والاضطراب إذ هي محفوفة بالماء السائل المجبول على الحركة والسيلان وهو بالهواء المتموج بالطبع وهي بالنار المضطربة وهي بالأفلاك المتحركة بطبقاتها وَبعد ما مهدناها وألقينا عليها من الرواسي العظام تتميما لتقريرها أَنْزَلْنا مِنَ جانب السَّماءِ ماءً مستحدثا من الابخرة والادخنة المتصاعدة المتراكمة المستحيلة بالماء بمجاورة الكرة الزمهريرية فَأَنْبَتْنا فأخرجنا بانزال الماء عليها فِيها اى في الأرض المنبسطة اليابسة بالطبع مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف من النباتات مزدوج مع شاكلته كَرِيمٍ كثير المنافع والفوائد مصلح للامزجة مقوم لها لتعيشوا عليها مترفهين متنعمين شاكرين لنعمنا غير كافرين بمقتضيات جودنا وكرمنا. ثم قال سبحانه من مقام العظمة والكبرياء وكمال المجد والبهاء على سبيل الإسكات والتبكيت لمن أشرك معه غيره عنادا ومكابرة
هذا الذي سمعتم ايها المجبولون على السمع والإصغاء خَلْقُ اللَّهِ القادر القوى المقتدر ذي الحول والقوة الغالبة والطول العظيم فَأَرُونِي ايها المشركون المسرفون المفرطون في دعوى الشرك معه سبحانه ماذا خَلَقَ وأى شيء اظهر وأوجد شركاؤكم الَّذِينَ تعبدونهم وتدعون نحوهم في الخطوب والمهام وتذعنون انهم آلهة مِنْ دُونِهِ سبحانه مستحقة للعبادة