للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك يا أكمل الرسل كِتابٌ مُصَدِّقٌ لجميع ما مضى من الكتب السالفة لِساناً عَرَبِيًّا أسلوبا ونظما انما جاء كذلك (٣) لِيُنْذِرَ بما فيه من الوعيدات الهائلة الَّذِينَ ظَلَمُوا اى خرجوا عن مقتضى العدالة الإلهية بمتابعة آرائهم الباطلة المنحرفة عن صراط الحق الحقيق بالاطاعة والاتباع وَليصير بُشْرى بما فيه من انواع المواعيد الذالة على كرامة الحق وإحسانه لِلْمُحْسِنِينَ من خلص عباده وكيف لا

إِنَّ المحسنين الَّذِينَ قالُوا بعد ما تحققوا بمقام العبودية رَبُّنَا اللَّهُ الواحد الأحد الفرد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية ثُمَّ بعد ما تمكنوا في مقر التوحيد وتمرنوا عليه اسْتَقامُوا فيه ورسخوا على محافظة الآداب الشرعية والعقائد الدينية الموضوعة لتأييد ارباب المعرفة وتمكينهم على جادة التوحيد لئلا يطرأ عليهم التزلزل والانحراف عن صراط الحق وسواء السبيل فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بعد ما وصلوا الى مقر التمكين وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عن التردد والتلوين وبالجملة

أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله أَصْحابُ الْجَنَّةِ المعدة لأرباب العناية خالِدِينَ فِيها بلا تبديل ولا تحويل وانما جوزوا جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ من الإحسان مع الله بمراعاة الأدب معه سبحانه وبملازمة الطاعات والعبادات على وجه الإخلاص والتسليم ومع عموم عباده بحسن المعاشرة والمصاحبة وأداء حقوق المواخاة والموالاة.

ثم أشار سبحانه الى معظم اخلاق المحسنين المستحقين بخلود الجنة وبالفوز العظيم فيها فقال

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ اى ومن جملة ما الزمنا على الإنسان الاتصاف به والمحافظة عليه حتما إكرامه بِوالِدَيْهِ إِحْساناً لهما وحسن الأدب معهما أداء لحقوق تربيتهما وحضانتهما له وكيف لا يحسن إليهما مع انه قد حَمَلَتْهُ أُمُّهُ حين حبلت به كُرْهاً مشقة عظيمة وألما شديدا وحملا ثقيلا وَحملت ايضا حين وَضَعَتْهُ كُرْهاً أشد من مشقة الحمل واكثر ألما منها وَمع ذلك ليست مشقتها ومقاساتها زمانا قليلا بل حَمْلُهُ اى مدة حمل امه إياه في بطنها وَفِصالُهُ اى مدة فطامه عن لبنها كلاهما ثَلاثُونَ شَهْراً وهي مدة طويلة وبعد فطامه ايضا تلازم حفظه وحضانته حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وكمال عقله ورشده وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إذ القوة العاقلة انما تكاملت دونها ولذا لم يبعث نبي الا بعد الأربعين الا نادرا قالَ بعد ما تذكر نعم الحق الفائضة عليه من بدء فطرته الى أوان رشده وكمال عقله مناجيا مع ربه مستمدا منه رَبِّ أَوْزِعْنِي اى أولعني وحرصنى بتوفيقك أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ طول دهري وأواظب على أداء حقوقها حسب طاقتي وقوتي وَكذا اشكر نعمتك التي أنعمت عَلى والِدَيَّ إذ أداء حقوقهما وما لزم عليهما من حقوق نعمك اللازم أداؤها عليهما واجب علىّ وَكذا وفقني بمقتضى كرمك وجودك أَنْ أَعْمَلَ عملا صالِحاً مقبولا عندك على الوجه الذي تَرْضاهُ منى وَبالجملة أَصْلِحْ لِي بمقتضى كرامتك علىّ عملي واجعل بفضلك صلاحي ساريا فِي ذُرِّيَّتِي ليكونوا صلحاء مثلي وارثين عنى مستحقين لكرامتك وعنايتك بهدايتهم وصلاحهم وبالجملة إِنِّي تُبْتُ ورجعت إِلَيْكَ عن عموم مالا يرضيك ولا يقبل عندك يا ربي من عملي إذ أنت اعلم منى بحالي وَإِنِّي إليك يا رب مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين لك المطيعين لحكمك المفوضين أمورهم كلها إليك إذ لا مقصد لهم غيرك ولا مرجع سواك وبالجملة

أُولئِكَ السعداء المولعون على شكر نعم الله وأداء حقوق الوالدين وحسن المعاشرة معهما والإحسان إليهما هم الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ (٥) بقبول حسن أَحْسَنَ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>