للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلا تعب ومشقة وبعد ما قد ألنا له الحديد أمرنا له

أَنِ اعْمَلْ يا داود بارشادنا وتعليمنا سابِغاتٍ دروعات واسعات وَقَدِّرْ ضيق وكثف فِي السَّرْدِ والنسج بقدر الحاجة بحيث لا يمكن مرور السهام والنصال عنها أصلا وَبعد ما قد آتيناه واتباعه الملك والولاية التامة والنبوة العامة فضلا منا إياه وامتنانا له اصالة ولاتباعه تبعا قلنا لهم تعليما وإرشادا اعْمَلُوا يا آل داود عملا صالِحاً من الأعمال والأخلاق مقبولا عندي مرضيا لدىّ إِنِّي بمقتضى حضرة علمي واطلاعى بِما تَعْمَلُونَ من عموم الأعمال ناقد بَصِيرٌ انقد كلا منها اقبل صالحها وارد فاسدها

وَمن مقام فضلنا وجودنا قد سخرنا لِسُلَيْمانَ بن داود عليهما السلام الرِّيحَ العاصفة وجعلناها مسخرة تحت حكمه وتصرفه بحيث تحمل كرسىّ سليمان وهو عليه عليه السلام وجنوده عليها وتسير حيث أشار وشاء غُدُوُّها شَهْرٌ يعنى جريها في الغداة مسيرة شهر وَرَواحُها ورجوعها ايضا شَهْرٌ كذلك وَمع ذلك قد أَسَلْنا وأذبنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ اى النحاس فذاب في معدنه ونبع منها نبوع العيون الجارية في كل شهر ثلاثة ايام قيل اكثر ما في الناس من النحاس من ذلك وَسخرنا له ايضا عناية منا إياه مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ مقهورا تحت حكمه وتصرفه بِإِذْنِ رَبِّهِ قد أمرهم سبحانه بإطاعتهم وانقيادهم إياه بحيث لم ينصرفوا ولم يستنكفوا عن حكمه أصلا وَقد شرط معهم سبحانه تأكيدا لاطاعتهم إياه انه مَنْ يَزِغْ اى يعدل ويمل مِنْهُمْ اى من الجن عَنْ أَمْرِنا وحكمنا المبرم المحكم عليهم وهو اطاعتهم نبينا سليمان عليه السلام نُذِقْهُ في هذه النشأة مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ إذ قد وكل سبحانه على الجن ملكا بيده سوط من نار فمن مال منهم عن حكم سليمان ضربه بها فأحرقه ولا يراه الجنى لذلك قد صاروا مقهورين تحت حكمه وأمرهم عليه السلام ما شاء بحيث

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ مساجد لطيفة وحصون حصينة واماكن منيعة انما سمى بها لأنها قد يحارب عليها ويلتجأ إليها من الشدة ولدى الحاجة. ومن جملة ما قد عملوا له من المساجد الحصينة العجيبة بيت المقدس في غاية الحسن والبهاء ونهاية المنعة والدفاع ولم يزل على عمارته عليه السلام الى ان قد خربه بختنصر وَتَماثِيلَ هي الصور من زجاج ورخام ونحاس وصفر وشبهه فكانوا يعملون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في البقاع الشريفة والمساجد والمعابد ترغيبا للناس في دخولها والعبادة فيها وتنشيطا لهم وقد عملوا له عليه السلام في أسفل كرسيه أسدين وفي فوقه نسرين فإذا أراد الصعود عليه بسط له الأسدان ذراعيهما فارتقى وإذا تمكن عليه اظله النسران بجناحيهما وحرمة التصاوير شرع مجدد وَجِفانٍ اى يعملون له من صحاف عظيمة وقصاع كبيرة وسيعة كَالْجَوابِ والحياض الكبار ومن غاية كبرها يقعد على كل جفنة عند الاكل ألف رجل وَقُدُورٍ راسِياتٍ ثابتات على اثافيهن بحيث لا تنزل عنها لغاية ثقلها وكبرها قيل اثافيها متصلة بها وكان يرتقى إليها ويؤخذ منها ما فيها بالسلاليم وبعد ما قد اعطى آل داود من الجاه والثروة العظيمة ما لم يعط أحدا من العالمين قيل لهم من قبل الحق تنبيها عليهم وحثا لهم على مواظبة الشكر ومداومة الرجوع نحو المفضل الكريم اعْمَلُوا يا آلَ داوُدَ عملا صالحا مرضيا عند الله ولا سيما الشكر اشكروا له شُكْراً مستوعبا لعموم جوارحكم وجوانحكم وفي جميع أوقاتكم وحالاتكم بحيث لا يشذ عنكم نفس ووقت لم يصدر عنكم فيها شكر وَاعلموا انكم وان بالغتم في أداء شكر نعم الله وحقوق كرمه

<<  <  ج: ص:  >  >>