للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤذيات وَايضا ربكم الذي رباكم فيها بأنواع النعم رَبٌّ غَفُورٌ ستار عليكم عموم فرطاتكم بعد ما اخلصتم في شكر نعمه وأداء حقوق كرمه وبعد ما قد نبهنا عليهم بشكر النعم وبالمداومة عليه لم يتنبهوا ولم يتفطنوا بل قد استكبروا

فَأَعْرَضُوا عن الشكر واشتغلوا بأنواع الكفران والإنكار على المفضل المنان والمكرم الديان وبعد ما انصرفوا عنادا عن شكر نعمنا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وهي الحجارة المركومة بالجص والنورة وانواع التدبيرات والترصيعات المحكمة للابنية والأساس وذلك انه قد كان لهم سد قد بنته بلقيس بين الجبلين وقد جعلت لها ثلاث كوات بعضها فوق بعض وقد بنت ايضا دونها بركة عظيمة فإذا جاء المطر اجتمع إليها مياه او ديتهم فاحتبس السيل من وراء السد فيفتح الكوة العليا عند الاحتياج ثم الثانية الوسطى ثم الثالثة السفلى فلا ينفد ماؤها الى السنة القابلة فلما طغوا وكفروا لنعم الله بعد ما أمروا بالشكر على ألسنة الرسل قيل قد أرسل الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوا الكل وأنكروا لهم ولهذا قد سلط الله على سدهم الجرد قيل نوع من الفأرة فنقبت في أسفل السد بالهام الله إياها فسال الماء فغرقت جنتهم ودفنت بيوتهم في الرمل وقد كان ذلك من غضب الله عليهم على كفرانهم نعمه وَبعد ما قد اعرضوا عن شكرنا وأرسلنا عليهم من السيل ما أرسلنا بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ المذكورتين المشابهتين للجنة الموعودة الاخروية جَنَّتَيْنِ أخريين سماهما سبحانه جنتين على سبيل التهكم والاستهزاء ذَواتَيْ أُكُلٍ وثمر خَمْطٍ بشيع سمج كزقوم اهل النار وَذواتي أَثْلٍ طرفاء لا ثمر لها ولا ظل وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ نبق قَلِيلٍ النفع والفائدة إذ لا يسمن ولا يغنى من جوع وبالجملة

ذلِكَ الجزاء الذي قد جَزَيْناهُمْ من تبديل النعمة عليهم نقمة والجنة جحيما واللذة ألما والفرح ترحا والمنح محنة بِما كَفَرُوا اى كل ذلك بشؤم كفرهم وكفرانهم على نعمنا وغيهم وطغيانهم على رسلنا وكما بدلوا الشكر بالكفران قد بدلنا عليهم الجنان بالنيران والحرمان وانواع الخيبة والخسران وَبالجملة هَلْ نُجازِي بضم النون وكسر الزاى وما ننتقم بأمثال هذا الجزاء إِلَّا الْكَفُورَ المعرض المتناهي في الاعراض عن شكر نعمنا الجاحد على حقوق لطفنا وكرمنا المبالغ في ستر الحق المصر على اظهار الباطل الزاهق الزائل

وَمن كمال لطفنا وجودنا إياهم قد جَعَلْنا بَيْنَهُمْ اى بين بلاد اهل سبأ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي قد بارَكْنا فِيها وكثرنا الخير على ساكنيها بتوسعة الأرزاق والفواكه والمتاجر ألا وهي ارض الشأم قُرىً ظاهِرَةً متواصلة متظاهرة يرى كل منها عن الاخرى مترادفة متتالية على متن الطريق تسهيلا لهم ليتجروا نحوها بلا كلفة وتعب وَقد قَدَّرْنا لهم فِيهَا السَّيْرَ اى في تلك القرى المترادفة على قدر مقيلهم ومبيتهم غاديا ورايحا بحيث لا يحتاجون الى حمل زاد وماء لقرب المنازل والخصب والسعة. وبعد ما قد أعطيناهم هذه الكرامات قلنا لهم على ألسنة الرسل المبعوثين إليهم او إلهاما لهم على قلوبهم بلسان الحال سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً على التعاقب والتوالي حيث شئتم لحوائجكم ومتاجركم آمِنِينَ من عموم المؤذيات مصونين من مكر الأعداء شاكرين على عموم الآلاء والنعماء غير كافرين عليها وبعد ما توجه الفقراء الى ديارهم وازدحموا حولها لغاية الخصب والرفاهية والمعيشة الوسيعة وسهولة الطريق

فَقالُوا باثين شكواهم عند الله من مزاحمة الفقراء وكثرة إلمامهم عليهم كافرين على نعمة التوسعة والسهولة رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ منازل أَسْفارِنا حتى نحتاج الى حمل الزاد وشد الرواحل والعقل ليشق الأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>