للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين وَلا يَهْتَدُونَ أصلا الى مرتبة الايمان واليقين فتتبعونهم ايها الضالون الجاهلون وتقتفون أثرهم ايها المسرفون المفرطون

وَان شئت يا أكمل الرسل زيادة تفضيحهم اذكر للمؤمنين قولنا مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا تقليدا لآبائهم مع قابليتهم واستعدادهم للايمان كَمَثَلِ الشخص الَّذِي يَنْعِقُ يخاطب ويصوت من سفاهته بِما اى بجماد لا يَسْمَعُ منه شيأ في مقابلته إِلَّا دُعاءً وَنِداءً منعكسة من دعائه وندائه شبه حالهم في السفاهة والحماقة بحال من يصوت نحو الجبل فيسمع منه صوته منعكسا فيتخيل من سفاهته انه يتكلم معه والحال ان آباءهم ايضا أمثالهم صُمٌّ كانوا لا يسمعون دعوة الحق من السنة الرسل بُكْمٌ لا يتكلمون بما ظهر لهم من الحق الصريح نقلا او عقلا عُمْيٌ ايضا لا يبصرون آثار الصفات وأنوار تجليات الذات الظاهرة على الآفاق وبالجملة فَهُمْ وآباؤهم من غاية انهماكهم في الغفلة والنسيان كأنهم جمادات لا يَعْقِلُونَ ولا يخلقون من زمرة العقلاء نبهنا بفضلك عن سنة الغفلة ونعاس النسيان

ثم ناداهم سبحانه وأوصاهم بما يتعلق بأمور معاشهم بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ اى مزكيات ما أحل لكم من الحيوانات وسقناه نحوكم تفضلا منا عليكم تقويما وتعديلا لأمزجتكم وَبعد تقويتنا وتعديلنا إياكم اشْكُرُوا لِلَّهِ المنعم المتفضل المربى لكم بلا التفات الى الوسائل والوسائط إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ لا الى غيره من الأسباب والوسائل تَعْبُدُونَ وتحصرون العبادة له قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اى ما حرم ربكم عليكم في دينكم من الحيوانات الا الْمَيْتَةَ التي ماتت حتف أنفها بلا تزكية وتهليل وَالدَّمَ السائل على اى وجه كان وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ المرخص في الأديان الاخر لنجاسة عينه وخباثة طبعه شرعا وَما أُهِلَّ اى الحيوان الذي ذبح وصوت بِهِ لِغَيْرِ اسم اللَّهِ عند ذبحه بل من اسماء الشياطين والأصنام وانما حرم عليكم هذه المحرمات وقت سعتكم فَمَنِ اضْطُرَّ منكم بأكلها حال كونه غَيْرَ باغٍ للولاة القائمين بأوامر الله المقيمين لأحكامه الحافظين لحدوده وَلا عادٍ مجاوز عن سد الجوعة الى وقت السعة فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ان تناول منها مقدار سد الرمق إِنَّ اللَّهَ الحكيم المرخص لكم في أمثال هذه المضائق والاضطرار غَفُورٌ ساتر لكم عن أمثال هذه الجرأة رَحِيمٌ عليكم بهذه الرخصة

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ المدبر لأمور عباده مِنَ الْكِتابِ المبين لهم طريق الرشاد والسداد ويظهرون بدله ما تشتهيه نفوسهم وترتضيه عقولهم عتوا واستكبارا وَيَشْتَرُونَ بِهِ اى بكتمان كتاب الله ثَمَناً قَلِيلًا من ضعفاء الأنام على سبيل التحف والهدايا أُولئِكَ الأشقياء الكاتمون طريق الحق الناكبون عن منهج الصدق ما يَأْكُلُونَ وما يغتذون ويتناولون بهذه الحيلة والتزوير ولا يستحيل فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ اى نار الحرص والطمع المقتبسة من نيران الإمكان المنتهية الى نار الجحيم أعاذنا الله وعموم عباده منها وَمن فظاعة أمرهم وشناعة صنيعهم لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ المستكشف عن احوال العباد يَوْمَ الْقِيامَةِ ليجزيهم على مقتضى أعمالهم التي كانوا عليها في النشأة الاولى بل يسوقهم الى النار بلا كشف وتفتيش عن جالهم وَبعد ما ساقهم إليها لا يُزَكِّيهِمْ ولا يطهر هم الله بها كما يطهر عصاة المؤمنين بالنار ثم يخرجهم الى الجنة بل يبقون فيها خالدين وَلَهُمْ فيها عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم غير منقطع إيلامه ابدا

أُولئِكَ الضالون الخاسرون الَّذِينَ هم اشْتَرَوُا واستبدلوا الضَّلالَةَ المستتبعة لهذا النكال بِالْهُدى الموصل الى النعيم الدائم في النشأة الاولى وَالْعَذابَ المؤلم المزعج

<<  <  ج: ص:  >  >>