للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلزامك عليهم وتبكيتك إياهم

قُلْ يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض التوحيد خاليا عن وصمة الكثرة مطلقا لا يَعْلَمُ مَنْ ظهر فِي السَّماواتِ اى العلويات وَمن ظهر في الْأَرْضِ اى السفليات من المظاهر المجبولة فيهما على فطرة الشعور والإدراك الْغَيْبَ الذي قد غاب وخرج عن مداركهم وعقولهم وكذا عن حيطة حواسهم وآلاتهم ولا يسع لهم ان يحيطوا بها ويتصفوا بشعورها وادراكها إِلَّا اللَّهُ المنزه عن مطلق الأماكن والأزمان بل الكل في حيطة أسمائه وأوصافه المبرى عن الاشتراك في جنس وعن الامتياز بفصل فانه واحد احد من كل الجهات ليس معه شيء ولا دونه حي فلا يشارك شيء في شيء حتى يميز عنه بشيء بل وحدته لا كسائر الوحدات وعلمه لا كسائر العلوم والإدراك وكذا جميع صفاته وأسمائه فانه سبحانه يعلم بعلمه الحضوري جميع ما ظهر وبطن وغاب وشهد بلا تفاوت من تقدم وتأخر وزمان ومكان واسباب وآلات وعلل وموجبات وشرائط ومقتضيات بل الكل في ساحة عز حضوره على السواء بلا اختلاف الخفاء والجلاء وَان اجتهد أولئك العالمون من اهل السموات والأرضين ما يَشْعُرُونَ ويدركون أَيَّانَ يُبْعَثُونَ اى متى يبعثون وفي أى آن يحشرون من قبور تعيناتهم وينشرون من أجداث هوياتهم للوقوف بين يدي الله وان وصلوا بعد ما اجتهدوا بتوفيق الله وتيسيره الى مقام قد عرفوا ان وقوفهم بين يديه سبحانه للعرض والجزاء كائن ثابت لا محالة لكنهم ما وصلوا الى مرتبة يسع وينكشف لهم تعيين وقت الحشر والنشر إذ تعيين وقت البعث من حملة الغيوب التي قد استأثر الله بها في علم غيبه ولم يطلع أحدا من أنبيائه وأوليائه عليها

بَلِ ما ادَّارَكَ وما تدارك وبلغ وما وصل وتعلق عِلْمُهُمْ اى علم عموم العلماء ومشاعر جميع ارباب الشعور والإدراك بعد ما كوشفوا بالهام الله وجذب من جانبه الا فِي تحقق النشأة الْآخِرَةِ وانية ما فيها من المعتقدات الاخروية المحققة من الحشر والنشر والصراط والسؤال والجنة والنار والثواب والعقاب وجميع الأمور التي قد نطقت بها ألسنة الرسل والكتب وبالجملة ما بلغت بتعيين وقت البعث وتشخيص حينه وآن وقوعه الافهام واحلام الخواص والعوام بَلْ هُمْ اى اكثر الناس فِي شَكٍّ وتردد مِنْها اى من النشأة الآخرة ومن تحقق الأمور الكائنة فيها بَلْ هُمْ اى بل أكثرهم مِنْها اى من قيام الساعة ومن الأمور الموعودة فيها عَمُونَ غافلون منكرون لا يعتقدون وقوعها ولا يقبلون قيامها بل ينكرونها أشد انكار ويكذبونها ابلغ تكذيب

وَمن شدة انكارهم وتكذيبهم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وبعموم ما قد وعد سبحانه لهم في يوم العرض والجزاء على سبيل الاستبعاد والاستنكار مستفهمين مستهزئين أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا ايضا كذلك أَإِنَّا وانهم لَمُخْرَجُونَ من قبورنا احياء على الوجه الذي قد كنا عليه في مدة حياتنا قبل طريان الموت الطبيعي علينا كلا وحاشا إذ هي من جملة الأمور المستحيلة الممتنعة التي تأبى العقول السليمة عن قبولها ولا منشأ لها سوى انا

لَقَدْ وُعِدْنا هذا اى البعث والحشر نَحْنُ اليوم على لسان هذا المدعى للنبوة والرسالة وَكذا قد وعد آباؤُنا ايضا مِنْ قَبْلُ على ألسنة المدعين الآخرين الذين مضوا وقد كان أسلافهم ايضا كذلك على ألسنة إسلاف أخر من المدعين وهكذا وهكذا وبالجملة إِنْ هذا اى ما هذا الوعد بالبعث والجزاء إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الموروثة لأخلافهم اللاحقين المستخلفين المتأخرين عنهم وبالجملة ما هذا الا ديدنة قديمة وعادة مستمرة قد بقيت بين الأنام من قديم الأيام لتخويف العوام بلا وقوع ولا إمكان وقوع ايضا ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>