للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَها بأطراف أصابعها على ما هو عادة النسوان في إلمام الخطوب وَقالَتْ مشتكية انا عَجُوزٌ عَقِيمٌ عاقر كيف ألدا بنا بعد انقضاء أوانه وانصرام زمانه ثم لما شاهدوا منها ما شاهدوا

قالُوا لها كَذلِكَ اى مثل الذي نخبرك ونبشرك قالَ رَبُّكِ وما علينا الا البلاغ والأمر بيد الله إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ في عموم أفعاله وآثاره الْعَلِيمُ بمطلق تدابيره وتقاديره وبعد ما جرى منهم ما جرى أخذ ابراهيم عليه السلام يسأل عن سبب نزولهم وارسالهم حيت

قالَ فَما خَطْبُكُمْ اى أمركم وشأنكم الذي جئتم لأجله أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ

قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ أقبح الجرائم وافحش المنكرات يعنون قوم لوط المبالغين في الفعلة الشنيعة والديدنة القبيحة المتناهية في القبح والفحش وانما أرسلنا إليهم

لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً متحجرة مِنْ طِينٍ يريد بها السجيل المركب من الحجر المسحوق مع الطين

مُسَوَّمَةً اى معلمة كل منها باسم من رمى بها عِنْدَ رَبِّكَ ليكون جزاء لِلْمُسْرِفِينَ الذين قد أسرفوا في الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية سيما عن الطريق المعتاد لحكمة الإيلاد والاستيلاد ثم لما أردنا رجمهم وإهلاكهم

فَأَخْرَجْنا باذن ربنا مَنْ كانَ فِيها اى في تلك القرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين بنبوة لوط ودينه الممتثلين بالأوامر والنواهي الإلهية الجارية على لسانه

فَما وَجَدْنا وصادفنا فِيها اى تلك القرى بعد ما فتشنا وكشفنا عن أهلها غَيْرَ بَيْتٍ اى سوى اهل بيت فقط مِنَ الْمُسْلِمِينَ المتصفين الجامعين بين الايمان والتسليم وهو اهل بيت لوط عليه السلام

وَبالجملة أهلكنا الكل وتَرَكْنا آثار هلاكهم واستئصالهم فِيها اى في الأرض التي تلك القرى فيها آيَةً امارة وعلامة مستمرة الى يوم القيامة لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ يعنى للقوم الذين يلونهم ويرون آثار العذاب النازل على اهل الجرائم والآثام فيمتنعون عنها ويعتبرون بها

وَكذا قد تركنا ايضا فِي إهلاك مكذبي مُوسى الكليم آية عظيمة للمتذكرين المعتبرين اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ أَرْسَلْناهُ اى موسى اصالة وأخاه هارون معه تبعا له إِلى فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي المبالغ في العتو والعناد وقد أيدناه وقويناه عناية منابه بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وحجة واضحة ظاهرة وبرهان لائح

فَتَوَلَّى فرعون واعرض عن دعوته الى الايمان مستظهرا بِرُكْنِهِ اى بملائه وجنوده الذين يتقوى بهم ويركن إليهم في الخطوب والملمات وَقالَ في جوابه من كمال بطره وعناده هو ساحِرٌ في عموم ما اتى من الخوارق أَوْ مَجْنُونٌ يعمل له الجن جميع ما يظهر منه من الارهاصات الخارقة للعادات وبالجملة قد كذب وأنكر عليه ونسب معجزاته الى السحر واعمال الجن

َخَذْناهُ

غيرة منا عليه وتقوية وتأييدا لرسولنا جُنُودَهُ

المظاهرين له نَبَذْناهُمْ

وأغرقناهم ي الْيَمِّ وَهُوَ

اى فرعون حينئذلِيمٌ

نفسه بما يلام هو عليه من الكفر والعناد وانواع العتو والفساد نادم عن جميع ما صدر عنه وما ينفعه الندم حينئذ

وَقد تركنا ايضا آية عظيمة للمعتبرين فِي إهلاك قوم عادٍ اذكر وقت إِذْ أَرْسَلْنا وسلطنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ لا يثمر نفعا سوى العقم والهلاك على وجه الاستئصال مع انهم قد أملوا نفعا عظيما فيها إذ

ما تَذَرُ وتترك مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ وهبت عَلَيْهِ من الأنفس والماشي إِلَّا جَعَلَتْهُ وصيرته كَالرَّمِيمِ اى اليابس البالي من النبات وأوراق الأشجار وبالجملة قد صيرتهم هباء منثورا تذروه الرياح حيث شاءت

وَكذا فِي ثَمُودَ وإهلاكهم قد تركنا آية عظيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>