للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه

وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ ونبين على وجه الخصوص والعموم الْآياتِ الدالة على توحيدنا على اليهود وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ رجاء ان يتنبهوا فيرجعوا نحونا ومع ذلك لم يرجعوا ولم يتنبهوا أصلا

وَبعد ما قد بالغوا في الاعراض والإنكار اتْلُ عَلَيْهِمْ اى على اليهود يا أكمل الرسل نَبَأَ اى قصة الشخص الَّذِي آتَيْناهُ علم آياتِنا العظام وأسمائنا الكرام حتى قدر وتمكن بسببها على اى شيء أراد فاعرض عنا بمتابعة الهوى كهؤلاء الغواة فَانْسَلَخَ مِنْها اى تجرد وعرى من سرائر الآيات جميعا انسلاخ لحية من جلدها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ اى قد جعله اللعين تابعا لاهوية نفسه فَكانَ بمتابعتها مِنَ الْغاوِينَ المنهمكين في الغي والضلال بحيث لا يرجى هدايته أصلا كهؤلاء اليهود

وَلَوْ شِئْنا وتعلق مشيتنا لهدايته الى أقصى غاية التوحيد وأعلى مرتبته لَرَفَعْناهُ بِها اى بتلك الآيات وَلكِنَّهُ متعلق لذلك أَخْلَدَ اى انخفض ومال إِلَى الْأَرْضِ الأنزل الأرذل وَاتَّبَعَ هَواهُ ينزل عليها ومع ذلك يتمسك بها وأراد ان يتشبث بمقتضاها فَمَثَلُهُ في هذا التمسك والتشتت بعد اللتيا والتي كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ حملا موجبا للهثه واندلاع نسائه يَلْهَثْ يخرج لسانه بسببه أَوْ تَتْرُكْهُ ولم تحمل عليه ما يوجب للهثه يَلْهَثْ ايضا لرسوخ تلك الديدنة القبيحة في ذاته وبالجملة ذلِكَ اى مثل ذلك الكلب بعينه مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ يا أكمل الرسل لليهود الْقَصَصَ المعهود لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ويتأملون فيما هم عليه من الاعراض والإنكار فيتنبهون على قبح صنيعهم وسوء فعالهم مع الله قيل ذلك الشخص هو بلعام بن باعوراء وقصته معروفة وقيل امية ابن الصلت كان قد قرأ الكتب المنزلة ووحد فيها وصف النبي صلّى الله عليه وسلم ورجا ان يكون هو فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد وكفر جميع الكتب المنزلة وكان من الغاوين

ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ اى بئس المثل مثل القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واعرضوا عنها منكرين عليها وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ اى وما يظلمون بالإعراض والإنكار الا أنفسهم إذ عاد عليهم وباله ونكاله ولكن لا يشعرون لقساوة قلوبهم وخبث طينتهم

وبالجملة مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بان يوفقه على سماع كلمة الحق فَهُوَ الْمُهْتَدِي الى توحيده وَمَنْ يُضْلِلْ بان يضله عن سبيله بإنكار آياته وتكذيب رسله فَأُولئِكَ البعداء الضالون هُمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران الأبدي لا يرجى ربحهم وهدايتهم أصلا

ثم قال سبحانه وَلَقَدْ ذَرَأْنا أوجدنا وأظهرنا لِجَهَنَّمَ البعد والخذلان ونيران الإمكان والخسران كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مع انه قد ثبت لَهُمْ قُلُوبٌ هي مناط التكاليف والعرفان ومحال الايمان والإيقان وهم لا يَفْقَهُونَ بِها ليحصل لهم مرتبة اليقين العلمي وَلَهُمْ أَعْيُنٌ هي سبب مشاهدة الآثار والاستدلال منها على الأوصاف الموجدة لها المترتبة على الذات الإلهي وهم لا يُبْصِرُونَ بِها ليحصل لهم مرتبة اليقين العيني وَلَهُمْ ايضا آذانٌ هي آلات لسماع كلمة الحق ووسائل الى اكتساب الفضائل والكمالات المنبهة على ما في نفوسهم من السرائر والأسرار المكنونة الإلهية وهم لا يَسْمَعُونَ بِها ليحصل لهم الترقي من مرتبة اليقين العيني الى اليقين الحقي وبالجملة أُولئِكَ الحمقى الجهلاء المتصنعون بأوصاف العقلاء العرفاء كَالْأَنْعامِ في عدم الشعور والتنبه بَلْ هُمْ بسبب تضييع استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجبلية أَضَلُّ من الانعام بمراتب وبالجملة أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ المقصورون على الغفلة المؤبدة

<<  <  ج: ص:  >  >>