للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحِسابَ المتداولة بينكم في معاملاتكم وحراثتكم وتجاراتكم وَبالجملة كُلَّ شَيْءٍ تحتاجون اليه في امور معاشكم ومعادكم قد فَصَّلْناهُ بيناه وأوضحناه لكم وعلمنا طريق وصولكم ونيلكم اليه تَفْصِيلًا وتبيينا واضحا لائحا فعليكم ان تتخذونى وكيلا في عموم حوائجكم الدنيوية والاخروية

وَاعلموا ان كُلَّ إِنسانٍ يعنى كل فرد فرد من نوع الإنسان قد أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يعنى بعد ما رتبنا امور معاش الإنسان ومعاده على ما ينبغي ويليق بحاله كتبنا جميع ما صدر عنه من الأعمال الصالحة والفاسدة في مكتوب جامع لها محيط بها وعلقناه في عنقه تعليقا لازما شبه الأعمال بالطائر لان الإنسان يطير ويميل نحو السعادة والشقاوة بما صدر عنه من الأعمال كأن الأعمال جناح له وَبعد انقضاء النشأة الاولى المعدة للاختبار والاعتبار نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً حاويا لعموم ما صدر عنه في دار الابتلاء يَلْقاهُ وينال اليه مَنْشُوراً على رؤس الملأ والاشهاد تعظيما وتكريما او تفضيحا وتقريعا

وحين لقياه بكتابه يقال له اقْرَأْ ايها المكلف في دار الابتلاء بأنواع التكاليف والمأمور فيها بامتثال الأوامر وترك المناهي كِتابَكَ هذا اى صحيفتك المشتملة على عموم ما صدر عنك إذ قد كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ اى كفى نفسك اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً محاسبا كافيا وشهيدا شاهدا بلا احتياج لك الى محاسب آخر سواك

وبالجملة مَنِ اهْتَدى في النشأة الاولى بمتابعة ما امر ونهى فَإِنَّما يَهْتَدِي وما يفيد الا لِنَفْسِهِ إذ نفع الهداية انما هو الوصول الى مرتبة الخلافة والنيابة الإلهية التي قد جبل الإنسان عليها وهذا عائد الى نفس الموحد بلا سراية الى غيره الا على وجه الإرشاد والتنبيه وَكذا مَنْ ضَلَّ عن طريق الحق وانحرف عن مسلك التوحيد بترك المأمورات وارتكاب المنهيات فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها اى ما يعود وما يرجع وبال ضلالها الا على نفسها بلا سراية الى غيرها الا تسببا واضلالا وَبالجملة لا تَزِرُ ولا تحمل نفس وازِرَةٌ عاصية آثمة وِزْرَ نفس أُخْرى مثلها بل كل نفس رهينة بما كسبت سواء كان خيرا او شرا وبعد ما قد قرر سبحانه ان الهداية والضلال لا تسرى الى الغير أراد ان يبين سبحانه ان الأخذ والانتقام على الضلال انما هو بعد الإرشاد والتنبيه فقال وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ لأهل الغفلة والضلال حَتَّى نَبْعَثَ ونرسل إليهم رَسُولًا منهم حين ظهر عنهم ولاح عليهم علامات الفسوق والعصيان وامارات الضلال والطغيان ليبين لهم أولا طريق الهداية ويرغبهم نحوها ويجنبهم عن الضلال وينفرهم عنه وبعد ما بعثنا عليهم وأرسلنا إليهم رسلا ان لم يقبلوا قول الرسل ولم يمتثلو بما أمروا على ألسنتهم ونهوا قد أصروا على ما هم عليه من الضلال أخذوا وعذبوا

وَ

بذلك قد جرت سنتنا المستمرة انا إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ

ونستأصل قَرْيَةً

مستحقة للاهلاك والاستئصال أَمَرْنا

أولا مُتْرَفِيها

ومتنعميها بالاطاعة والانقياد لنبي أرسل إليهم من لدنا فَفَسَقُوا فِيها

وخرجوا عن مقتضى ما أمروا ونهوا على لسان نبيهم ولم يبالوا به فَحَقَ

فقد ثبت واستقر عَلَيْهَا الْقَوْلُ

اى على اهل القرية العذاب الموعود المعهود حقا حتما واستحقوا بحلوله جزما فَدَمَّرْناها

وأهلكنا أهلها بسبب فسقهم وخروجهم عن الإطاعة والامتثال بالمأمور تَدْمِيراً

اى إهلاكا كليا واستئصالا حقيقيا الى حيث لم يبق منهم ومن عمرانهم ودورهم ومنازلهم واطلالهم شيء

وَليس أمثال هذا الإهلاك ببدع منا بل كَمْ اى كثيرا قد أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ الماضية مِنْ بَعْدِ إهلاك قوم نُوحٍ كعاد

<<  <  ج: ص:  >  >>