للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليكم المؤيد بالآيات والمعجزات وينذركم بالوعيدات الهائلة ايها المقصورون على الصم الحقيقي والاعراض الفطري الجبلي إذ لا يَسْمَعُ المرشد الهادي ولا يسع في وسعه وان بالغ في الإرشاد والهداية الصُّمُّ الدُّعاءَ والذكر المتضمن لانواع الهداية والإرشاد ولا يسع له اسماعهم إِذا ما يُنْذَرُونَ الا وقت قابليتهم والتفاتهم الى الإنذار والتخويف وأنتم ايها الحمقى من شدة صممكم وقسوتكم خارجون عن قابلية الإنذار والإرشاد والوعد والوعيد

وَالله يا أكمل الرسل لَئِنْ مَسَّتْهُمْ وظهرت عليهم نَفْحَةٌ واحدة ورائحة قليلة مِنْ عَذابِ رَبِّكَ نازلة على سبيل المقدمة والأنموذج لَيَقُولُنَّ صارخين صائحين متضرعين معترفين بذنوبهم قائلين يا وَيْلَنا وهلكنا تعال إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ خارجين عن حدود الله مستوجبين للمقت والهلاك أدركنا فقد حان حينك وقرب أوانك

وَبمجرد اعترافهم بظلمهم لا نأخذهم ولا نعذبهم حينئذ بل نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ العدل السوى المستقيم بحيث لا عوج والانحراف لها الى جانب أصلا المعدة لِيَوْمِ الْقِيامَةِ لنوزن بها فيها اعمال العباد صالحها وفاسدها ثم نجازيهم على مقتضى ما ظهر منها فَلا تُظْلَمُ ولا تنقص نَفْسٌ شَيْئاً من جزائها ولا تزاد عليها ايضا سواء كان خيرا او شرا ثوابا او اعقابا بمقتضى عدلنا القويم وصراطنا المستقيم وَإِنْ كانَ العمل او الظلم وزنه مِثْقالَ حَبَّةٍ كائنة مِنْ خَرْدَلٍ قد أَتَيْنا بِها مع انها لا اعتداد لها عرفا وجازينا صاحبها عليها تتميما لعدلنا القويم وتوفية لحقوق عبادنا وَكَفى بِنا حاسِبِينَ اى حسابنا لحفظ حقوق عبادنا إذ لا يعزب عن حيطة حضرة علمنا المحيط شيء منها وان قل وخفى.

ثم قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير وَلَقَدْ آتَيْنا من مقام فضلنا وجودنا مُوسى الكليم وَأخاه هارُونَ الْفُرْقانَ اى التورية الفارق بين الحق والباطل وَلكمال فرقه وفصله صار ضِياءً يستضئ به عموم المؤمنين الموحدين من المليين التائهين في ظلمات الغفلات والجهالات وانواع الضلالات وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ منهم المتذكرين الوقوف بين يدي الله يوم العرض الأكبر

وهم الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ اى بضمائرهم وسرائرهم كما يخشون منه سبحانه بظواهرهم وعلنهم وَمع ذلك الخوف المستوعب لجوانحهم وجوارحهم هُمْ مِنَ السَّاعَةِ الموعود إتيانها المحقق وقوعها وقيامها حقا حتما محققا مُشْفِقُونَ خائفون مرعوبون كأنها واقعة آتية عليهم اليوم

وَهذا القرآن الفرقان الجامع ايضا ذِكْرٌ وتذكير لعموم المؤمنين الموحدين من امة محمد عليه السّلام مُبارَكٌ كثير الخير والبركة للموقنين المخلصين منهم الواصلين الى مرتبة الفناء في الله قد أَنْزَلْناهُ من كمال فضلنا ولطفنا الى محمد خاتم الرسالة ومتمم مكارم الأخلاق ومكمل دائرة النبوة عليه من الصلوات والتحيات ما هو الاولى والأحرى أَفَأَنْتُمْ لَهُ ولكاتبه مُنْكِرُونَ ايها المسرفون المستكبرون

وَلَقَدْ آتَيْنا أعطينا ايضا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ اى كمال عقله ورشده الى حيث أيقظنا من سنة الغفلة فأخذ لطلب المعارف والحقائق وسلوك طريق التوحيد والتوجه نحو الحق مِنْ قَبْلُ اى قبل موسى وهارون وَقد كُنَّا بِهِ وبكمال استعداده وقابليته لحمل أعباء الرسالة والنبوة وانكشافه بسرائر التوحيد عالِمِينَ بحضرة علمنا المحيط مثبتين في لوح قضائنا المحفوظ

اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ جدك ابراهيم الخليل الجليل لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ حين جذبه الحق نحو جنابه وهداه الى بابه مستفهما على سبيل الإنكار والتقريع

<<  <  ج: ص:  >  >>