للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه لَلْحُسْنى اى الحالة التي هي احسن الحالات وأكرم الكرامات لاستحقاقى بها واقتضاء ذاتى إياها وبالجملة انما يقول على سبيل الاستهزاء والتهكم فَلَنُنَبِّئَنَّ ولنخبرن حين الجزاء الكافرين الَّذِينَ كَفَرُوا بوفور قدرتنا وقوتنا على وجوه الأخذ والانتقام بِما عَمِلُوا من الجرائم العظام وكبائر الآثام وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ مؤلم فظيع فجيع لا يمكنهم الخلاص عنه

وَمن شدة طغيان الإنسان ونهاية كفرانه وعدوانه إِذا أَنْعَمْنا وأكرمنا من مقام جودنا عَلَى الْإِنْسانِ المجبول على الكفران والنسيان أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ اى تباعد عنا ولم يشكر على نعمنا ولم يلتفت الى موائد كرمنا وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ ولحقه الضر فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ كثير ممتد عرضا وطولا وهو كناية عن الحاحهم ولجاجهم في طلب الكشف والتفريج من الله عند نزول البلاء وإلمام المصيبة

قُلْ يا أكمل الرسل لمنكري القرآن والقادحين فيه على سبيل الظلم والعدوان أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القرآن منزلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بحسب الواقع مع انه لا شك في نزوله من عنده ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ بلا تأمل وتدبر في دلائل صدقه وبراهين اعجازه لفظا ومعنى مَنْ أَضَلُّ سبيلا ورأيا وطريقا مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وخلاف شديد عن الحق وقبوله وبالجملة من أضل منكم حينئذ ايها القادحون الطاعنون المنكرون له مع وضوح محجته وسطوع برهانه. ثم أشار سبحانه الى وحدة ذاته وكمال ظهوره حسب أسمائه وصفاته في عموم مظاهره ومصنوعاته وحيطته عليها وشموله إياها ليكون دليلا على حقية كتابه وصدوره منه فقال

سَنُرِيهِمْ اى المجبولين على فطرة التوحيد المخلوقين على نشأة الايمان والعرفان الموفقين على كمال الكشف والعيان آياتِنا اى دلائل توحيدنا الدالة على وحدة ذاتنا الظاهرة فِي الْآفاقِ اى ذرات الأكوان الخارجة عن نفوسهم المدركة بآلاتهم وحواسهم سميت بها لطلوع شمس الحقيقة منها وظهورها عليها وَفِي أَنْفُسِهِمْ اى ذواتهم التي هي أدل دليل على معرفة الحق ووحدته لذلك قال اصدق القائلين وأكمل الكاملين من عرف نفسه فقد عرف ربه وانما نريهم ما نريهم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ ويظهر دونهم وينكشف عليهم أَنَّهُ اى الأمر الظاهر والشأن المحقق المتحقق في الأنفس والآفاق هو الْحَقُّ الحقيق بالتحقق والثبوت بالاستقلال والاستحقاق بمقتضى صرافة وحدته الذاتية والقرآن المعجز ايضا من جملة مظاهره وآثار صفاته الذاتية. ثم لما أشار سبحانه الى وحدة ذاته بالنسبة الى عموم عباده أراد ان ينبه على المستكشفين من ارباب المحبة والولاء الوالهين بمطالعة وجهه الكريم فخاطب لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم إذ هو الحرى بأمثال هذه الخطابات العلية فقال مستفهما على سبيل التعجب والاستبعاد إذ هو ادخل في التنبيه والتنوير أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ اى أيشكون أولئك المكلفون الشاكون في وجود مربيك الذي هو مربيهم ايضا يا أكمل الرسل ويترددون في تحققه وظهوره ولم يكف لهم دليلا أَنَّهُ بذاته وبعموم أسمائه وصفاته عَلى كُلِّ شَيْءٍ مما لاح عليه برق وجوده ورشاشة نوره شَهِيدٌ حاضر غير مغيب عنه وبالجملة او لم يكف لهم دليلا على تحقق الحق حضوره مع كل شيء من مظاهره ثم نور سبحانه ما نبه عليه على سبيل التعجب والتلويح تأكيدا ومبالغة وزيادة إيضاح وتوضيح فقال

أَلا إِنَّهُمْ بعد ما أضاء لهم شمس الذات من مرايا الكائنات فِي مِرْيَةٍ شك وارتياب مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ فيها ومن مطالعة وجهه الكريم أَلا إِنَّهُ بذاته حسب شئونه وتطوراته المتفرعة على أسمائه وصفاته بِكُلِّ شَيْءٍ من مظاهره ومصنوعاته مُحِيطٌ بالاستقلال والانفراد احاطة ذاتية بلا شوب شركة وشين كثرة إذ لا وجود سواه ولا موجود غيره ولا اله الا هو

<<  <  ج: ص:  >  >>