للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السمعة والرياء والمن والأذى المشتملة على نيران الأنانية المشتعلة المتكونة من ابخرة الهوى وادخنة اللذة الوهمية والشهوات البهيمية فاحترقت بالمرة جميع ما يترتب عليها من اللذات الروحانية والثمرات العرفانية والحال انكم معطلون حينئذ عن التدارك والافتقاد وقواكم الكاسبة قد رجعت الى بدئها قهقرى ضعفاء معطلات أمثالكم وبالجملة كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فيها وتدخرون الزاد ليوم لا كسب فيه ولا يمكنكم الافتقاد ولا الزرع ولا الحصاد

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا لرضاء الله على المستحقين من عباده مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وجيدات ما اقترفتم في النشأة الاولى بالحراثة والتجارة والصناعة وَايضا مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ بلا سبق عمل منكم من الحبوب والثمار والمعدنيات وغير ذلك وَعليكم ان لا تَيَمَّمُوا ولا تقصدوا الْخَبِيثَ مِنْهُ اى لا تقصدوا الى إخراج الردى الخبيث من أموالكم المكتسبة والموهوبة حين تُنْفِقُونَ للفقراء وَالحال انكم لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ من الغير في معاملاتكم إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا وتسامحوا فِيهِ اى في اخذه وَبالجملة اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ المقتدر الغيور غَنِيٌّ عن انفاقكم وتصدقكم وانما يأمركم به لانتفاعكم واستفادتكم إذ هو في ذاته حَمِيدٌ شكور مشكور في نفسه لولا أنتم وانفاقكم وشكركم

وبالجملة الشَّيْطانُ المضل المغوى يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ في الانفاق ويخوفكم منه ويوقع في انفسكم مخايل التقتير والإمساك وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ اى البخل المفرط المتجاوز عن الحد وَاللَّهُ المصلح لعموم مفاسدكم يَعِدُكُمُ فيه مَغْفِرَةً لذنوبكم ناشئة مِنْهُ سبحانه إحسانا وَفَضْلًا زائدا على وجه التبرع والإكرام خلفا لما أنفقتم في سبيله طلبا لمرضاته وَاللَّهُ واسِعٌ لا ضيق في سعة فضله وإحسانه عَلِيمٌ بنية من أنفق وإخلاصه فيها حكيم في إفاضته على قلوب خلص عباده بمقتضى حكمته

إذ هو سبحانه يُؤْتِي الْحِكْمَةَ اى سرائر جميع الأعمال المأمورة لعباده مَنْ يَشاءُ بفضله وجوده عناية منه وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ من العباد فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً لا يحيط بكثرته الا هو وَما يَذَّكَّرُ اى ما يتذكر وما يتعظ بمضمون هذه الآية الكريمة الشاملة لفوائد لا تحصى إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ الواصلون الى لب الأمور المائلون عن قشورها المتوجهون الى الله بالعزائم الصحيحة المعرضون عن الرخص المؤدية الى الجرائم

وَاعلموا ايها المؤمنون المستمسكون بحبل التوفيق الإلهي ان ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ خالصة لمرضاة الله أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ يؤدى الى الانفاق في سبيل الله فَإِنَّ اللَّهَ الموفق لكم على عموم مصالحكم يَعْلَمُهُ بعلمه الحضوري ويجازى عليه بأضعافه وآلافه وَما لِلظَّالِمِينَ المجاوزين والمتجاوزين عن حدوده بمتابعة الشيطان المضل عن طريق الحق مِنْ أَنْصارٍ ينصرهم عند انتقام الله إياهم وقهرهم على ما صدر عنهم من الفسوق والعصيان ومن التبذيرات الواقعة فيها

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ ايها المؤمنون وتظهروها فَنِعِمَّا هِيَ اى نعم شيأ عند الله وعند الناس إبداء الصدقات وإعطاؤها علانية وَإِنْ تُخْفُوها اى الصدقات وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ خفية من الناس فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ من ابدائها لعرائها عن وصمة السمعة والرياء وعن شوب المن والأذى ولا سيما عن لحوق العار على الفقراء وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ لستركم ذلة الفقراء الذين يذلون عند أخذها منكم وَاللَّهُ المجازى لكم بِما تَعْمَلُونَ من الخيرات خَبِيرٌ يكفيكم خبرته بمجازاتكم عليه

ثم قال سبحانه مخاطبا لنبيه كلاما خاليا عن وصمة الشبهة ناشئا عن محض الحكمة لَيْسَ عَلَيْكَ يا أكمل الرسل هُداهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>