للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب إذ نحن معاشر العرب أكلة رأس متفقين في عموم الخطوب ومتى خالفناهم في امر لم يرضوا عليه قد أخرجونا من بينهم البتة صاغرين مهانين فرد الله سبحانه عليهم عذرهم هذا بقوله أَيخافون أولئك الخائفون وَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ فيما مضى ولم نجعل مكانهم الذي يستقرون فيه حَرَماً ذا حرمة عظيمة آمِناً ذا أمن وأمان من عموم المكاره جالبا لانواع الخيرات والبركات إذ يُجْبى إِلَيْهِ ويجمع فيه ويحمل نحوه ويجر اليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ونفائسه من كل أمد بعيد وفج عميق لتكون رِزْقاً لهم مِنْ لَدُنَّا نحوهم وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر الناس المجبولين على الجهل والنسيان لا يَعْلَمُونَ كمال لطفنا معهم ووفور رحمتنا إياهم

وَقل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا لا تغرنكم الحياة الدنيا وامهالنا إياكم فيها مترفهين متنعمين إذ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى كثيرا من اهل قرية أهلكناهم مع انهم قد بَطِرَتْ مَعِيشَتَها وكان أهلها بطرين فيها من سعة عيشها ووفور نعمها ومعيشتها أمثالكم فدار عليهم الدول فأخذناهم بأنواع النقم بدل نعمنا وانعامنا إياهم بشؤم كفرهم وكفرانهم فأهلكناهم واستأصلناهم صاغرين فانظر كيف كان عاقبة البطرين المفسدين فَتِلْكَ الاطلال الخربة والآثار الكربة الكئبة التي تجاه وجوهكم مَساكِنُهُمْ وأوطانهم التي كانوا يتمكنون فيها مترفهين بطرين انظروا كيف اندرست وخربت وتفتتت بحيث لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ في بلادهم وأماكنهم إِلَّا قَلِيلًا من اهل السفر والعبور ينزلون فيها ساعة ويرحلون بلا اقامة فيها ووراثة لها هكذا حال الدنيا وحياتها والاستقرار عليها والتمتع بمتاعها دائما عند العارف المحقق المتحقق ببطلان حقيقتها وماهيتها وَبعد ما أهلكناهم وخربنا بلادهم ودورهم قد كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ منهم لا نمكن فيها خلفاء من أبناء نوعهم من شؤم آثامهم وجرائمهم التي قد كانوا عليها مصرين غير ممتنعين وان أرسلنا عليهم الرسل وأنزلنا عليهم الكتب

وَبالجملة ما كانَ رَبُّكَ يا أكمل الرسل مُهْلِكَ الْقُرى وما ينبغي وما يليق بشأن الحكيم العليم ان يأخذهم بغتة بلا منبه منذر بل ما أخذناهم على ظلمهم وعدوانهم حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها اى البلدة التي هي أم القرى الهالكة ومعظمها إذ أهلها اقبل للرشد والهداية من اصحاب حواليها ونواحيها وهم يتبعون لهم في معظمات أمورهم أولا رَسُولًا مؤيدا من لدنا مرسلا إليهم يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا الدالة على عظمة ذاتنا وكمال قدرتنا على وجوه الانعام والانتقام ويدعوهم الى توحيدنا والتدين بالدين الموضوع من عندنا فتلا عليهم آياتنا فدعاهم الى توحيدنا وديننا فلم يقبلوا قوله ولم يستجيبوا له بل قد كذبوه وجميع ما جاء من الرشد والهداية مصرين على ما هم عليه من الغواية فاستحقوا العذاب والهلاك فلذلك أهلكناهم وَبالجملة ما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ يعنى ما كنا مبادرين على إهلاك القرى الهالكة بلا سبق اسباب قد صدرت عنهم واستوجبت إهلاكهم بل انما أخذناهم بعد ما ظلموا أنفسهم بالخروج عن مقتضى حدودنا الموضوعة فيهم ظلما وعدوانا وصاروا مصرين مفتخرين بطرين بما آتيناهم من زخرفة الدنيا المستعارة الفانية التي قد الهاهم عن اللذات الاخروية الباقية

وَالحال انه ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ في هذه النشأة فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا الدنية التي هي على طرف التمام مشرفة على التقضي والانصرام مبنية على السقوط والانهدام وَزِينَتُها الزائلة الذاهبة بلا قرار ولا دوام وَما عِنْدَ اللَّهِ من المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات المعدة الموعدة

<<  <  ج: ص:  >  >>