للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأدركه الخطاب الإلهي المشعر بنوع من العتاب فأدبه سبحانه وأخرجه من سجن الطبيعة وملابس الهيولى بالكلية حيث قال متيمنا بِسْمِ اللَّهِ الذي ربي حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلّم على فطرة المعرفة والتوحيد الرَّحْمنِ عليه حيث أخرجه عن مضيق الإمكان المستلزم لانواع التخمين والتقليد الرَّحِيمِ عليه يوصله الى سماء التجريد ويمكنه الى فضاء التفريد

[الآيات]

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ المتدثر المتغطى بملابس الطبيعة وثياب الإمكان المورثة لانواع الخيبة والخسران واصناف الحرمان والخذلان الى متى كنت فيها مقيما

قُمْ من عالم الطبيعة واخرج من مضيق بقعة الإمكان وسجن عالم الناسوت سيما بعد انكشافك بطلائع فضاء عالم اللاهوت وبعد ما خلصت من قيود الطبيعة وأغلال الهيولى فَأَنْذِرْ منها عموم بنى نوعك وخوف المحبوسين في سجن الإمكان المقيدين بسلاسل الزمان وأغلال المكان من دركات النيران وعن اودية الضلالات والجهالات المترتبة على الأوهام والخيالات الباطلة الموجبة لانواع الحرمان والخسران في النشأة الاولى والاخرى

وَخصص يا أكمل الرسل رَبَّكَ الذي رباك على فطرة المعرفة والإيقان بأنواع التبجيل والتعظيم فَكَبِّرْ ذاته تكبيرا كاملا الى حيث لا يخطر ببالك معه شيء في الوجود إذ هو المتفرد المتعزز برداء العظمة والكبرياء لا شيء سواه ولا اله الا هو

وَبعد ما انكشفت بوحدة ربك وكبرته تكبيرا لائقا بشأنه ثِيابَكَ التي هي ملابس بشريتك وملاحف هويتك فَطَهِّرْ أوساخ الإمكان واقذار الطبيعة وإكدار الهيولى فان طهارتك عنها واجبة عليك سيما عند ميلك الى مقصد الوحدة

وَالرُّجْزَ اى الرجس العارض لبشريتك من التقليدات المورثة والتخمينات المستحدثة من الآراء الباطلة والأهواء الفاسدة المكدرة لصفاء مشرب التوحيد واليقين من الأخلاق الردية والملكات الغير المرضية الناشئة من الشهوية والغضبية المترتبة على القوى البهيمية الى غير ذلك من القبائح الصورية والمعنوية فَاهْجُرْ اى جانب وافترق ليمكن لك التخلق بأخلاق الله والاتصاف بأوصافه ومن جملة الأخلاق المذمومة بل من معظمها المنة على الله بالطاعة وفعل الخيرات وعلى عباده بالتصدق والانفاق عليهم

وَبعد ما سمعت ما سمعت لا تَمْنُنْ على الله مباهيا بطاعتك وعلى عباده تفوقا عليهم وترفعا تَسْتَكْثِرُ وتستجلب نعم الله على نفسك وإحسانه عليك وامتنانه لك بما لا مزيد عليه او المعنى لا تمنن تستكثر اى لا تعط أحدا شيأ على نية ان تستكثر وتستعوض منه بدلا مما أعطيته على مقتضى القراءتين

وَبالجملة لِرَبِّكَ الذي رباك على الخلق العظيم فَاصْبِرْ على مشاق التكاليف ومتاعب الطاعات والعبادات وعلى اذيات المشركين حين تبليغ الدعوة لهم وإيصال الوحى إليهم وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت من الوصايا امتثل بها واتصف بمقتضاها اتقاء عن اهوال يوم الجزاء وافزاعها

فَإِذا نُقِرَ ونفخ أولا فِي النَّاقُورِ اى الصور المصور لتصويت الأموات ليبعثوا من قبورهم احياء كما كانوا. ثم نفخ ثانيا ليحشروا ويحاسبوا بين يدي الله ثم يجازوا حسب ما يحاسبوا ان خيرا فخير وان شرا فشر

فَذلِكَ اى وقت النقر الثاني للحشر والوقوف بين يدي الله يَوْمَئِذٍ اى يوم القيامة يَوْمٌ عَسِيرٌ ووقت صعب وحين مهيب سيما

عَلَى الْكافِرِينَ إذ قد عسر عليهم حينئذ الأمر واشتد الهول وتشتتت أحوالهم واضطربت قلوبهم وبالجملة غَيْرُ يَسِيرٍ عليهم حسابهم لذلك قد عسر عليهم وبعد ما تحققت وانكشفت يا أكمل الرسل بقيام يوم القيامة ووقوعها وبتنقيد الأعمال فيها والجزاء عليها لا تستعجل بانتقام المشركين المسرفين ولا تعجل عليهم بل

ذَرْنِي واتركني يا أكمل الرسل

<<  <  ج: ص:  >  >>