للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع ذلك يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ عن ارتكاب المنهيات والمحظورات وكذا عن مطلق الذمائم من الأخلاق والأطوار وَبالجملة هم يَخافُونَ من الله وعن مخالفة امره ونهيه سُوءَ الْحِسابِ ورداءة المنقلب والمآب

وَأيضا هم الَّذِينَ صَبَرُوا إذا اصابتهم مصيبة واحاطتهم بلية ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ اى ما سبب صبرهم الا طلب مرضات ربهم مسترجعين اليه سبحانه متضرعين نحوه وَأَقامُوا الصَّلاةَ واداموا الميل والتوجه نحوه في عموم الأحوال والأزمان وَمع ذلك أَنْفَقُوا للفقراء المستحقين مِمَّا رَزَقْناهُمْ ووفقناهم عليه واقدرناهم لكسبه وجمعه سِرًّا اى على وجه لا يشعر الفقير بالمنفق ولا يعرفه أصلا لئلا يتأذى بتوهم المن والأذى وَعَلانِيَةً على وجه يشعر به لكن يبالغ المنفق في التذلل والانكسار بحيث لا يتوهم المنة أصلا وَايضا هم الذين يَدْرَؤُنَ اى يدفعون ويسقطون بِالْحَسَنَةِ الخصلة الحميدة والخلق المرضى السَّيِّئَةَ الذميمة القبيحة من الخصائل والأخلاق وبالجملة أُولئِكَ السعداء الأولياء ذووا العهد والوفاء وأولوا الخوف والرجاء الصابرون على عموم البلاء الراضون بما جرى عليهم من سوء القضاء المتوجهون الى المولى في السراء والضراء المنفقون مما عندهم لرضاه سبحانه على الفقراء وبالجملة قوم سعداء قد حصل لَهُمْ حين كانوا في النشأة الاولى عُقْبَى الدَّارِ الاخرى وما يحصل فيها من اللذات والمثوبات ورفع الدرجات ونيل المرادات بلا انتظار لهم الى النشأة الاخرى والطامة الكبرى

ومن جملتها جَنَّاتُ عَدْنٍ ودار اقامة وخلود ومنزل كشف وشهودهم يَدْخُلُونَها اصالة واستحقاقا وَيدخل ايضا بشفاعتهم وتبعيتهم مَنْ صَلَحَ لصحبتهم ورفاقتهم مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وممن ينتمى إليهم وكذا من استرشد منهم واهتدى بهدايتهم من اهل الطلب والارادة وَحين استقروا وتمكنوا فيها يزورهم الْمَلائِكَةُ ويطوفون حولهم ترحيبا وتعظيما بحيث يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ من أبواب الجنة قائلين

سَلامٌ عَلَيْكُمْ ايها الفائزون بالفلاح والنجاح بِما صَبَرْتُمْ في دار الابتلاء بأنواع المحن والبلاء فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ منزلكم ومنقلبكم في دار القرار وعواقب أموركم فيها من الفرح الدائم وسرور المستمر ثم بين سبحانه على مقتضى سنته المستمرة من تعقيب حسن عواقب الأبرار بقبح احوال الأشرار وبوخامة عواقبهم بقوله

وَالمسرفون المفرطون الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ الذي عهدوا معه في بدء الوجود واصل الفطرة سيما مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الوثيق وأحكامه المحكم البليغ وَمع ذلك يَقْطَعُونَ ويتركون عموم ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويحافظ عليه وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بأنواع الفسادات من الظلم والزور والافتراء والمراء وانواع المكابرة والمعاداة مع الأنبياء والأولياء وسوء الظن مع ارباب المحبة والولاء أُولئِكَ البعداء المعزولون عن ساحة عز القبول لَهُمُ اللَّعْنَةُ والطرد والحرمان والرد والخذلان في النشأة الاولى وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ورداءة المرجع والمآب في النشأة الاخرى

ثم لما افتخر اهل مكة بما عندهم من الامتعة والزخارف وباهوائها واستحقروا فقراء المؤمنين وشنعوا عليهم رد الله عليهم هذياناتهم هذه بكلام ناش عن محض الحكمة فقال اللَّهُ المطلع على استعدادات عباده يَبْسُطُ يكثر ويوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ من عباده في النشأة الاولى وَيَقْدِرُ يقبض وينقص على من يشاء ارادة واختيارا حكمة منه وتدبيرا وَهم في أنفسهم وحسب مفاخرتهم ومباهاتهم بحطام الدنيا قد فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا المستعارة التي لإقرار لها ولا ثبات لنعيمها

<<  <  ج: ص:  >  >>