للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيطانا مطرودا مردودا لا خير فيه أصلا إذ هو قد حملهم وأغراهم على عبادة الأصنام الجامدة والأوثان الخامدة ولا شك ان عبادة هؤلاء الهلكى انما هي عائدة اليه لعنة الله راجعة نحوه وكيف يعبدونه ويدعون له

وقد لَعَنَهُ اللَّهُ وطرده عن عز حضوره وأخرجه من زمرة خلص عباده بواسطة تغريره وتلبيسه عباد الله واغرائهم الى الشرك والطغيان وَبعد ما ايس الشيطان عن روح الله وقنط عن رحمته بسبب تضليل عباده قالَ لَأَتَّخِذَنَّ يا ربي مِنْ عِبادِكَ الذين هم سبب طردي وتبعيدى منتقما منهم نَصِيباً مَفْرُوضاً مفروزا وحظا كاملا مما فضلت عليهم وقدرت لهم من معارفك وتوحيدك وتقديسك بحيث اغريهم والبس عليهم وأزين لهم الفسوق والعصيان وأبالغ في تضليلهم الى ان يشركوا بك وينسبوا إليك ما لا يليق بشأنك وجنابك فينحطوا بذلك عن كنف حفظك وجوارك ويستحقوا بسخطك وغضبك

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ بأنواع الخداع والوسوسة عن طريق توحيدك وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ بما يتعلق بمعاشهم في دار الغفلة والغرور من الحرص وطول الأمل وسائر مشتهيات النفس ومستلذاتها وَلَآمُرَنَّهُمْ بتغيير اوضاعك وحدودك وتنقيص مصنوعاتك وتخريب بنيانك ومخترعاتك فَلَيُبَتِّكُنَّ وليشقن آذانَ الْأَنْعامِ وانوف الخيول وغير ذلك من الأعمال التي قد عملوها مع مخلوقاتك بلا رخصة شرعية وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ بموالاتي إياهم وبمواساتى معهم ومظاهرتى عليهم الى ان يغيروا ما خلق على مقتضى الحكمة المتقنة من الأمور التي قد خرجوا بها عن مقتضى الفطرة الإلهية وانحرفوا بسببها عن الطريق الأعدل الا قوم وَبالجملة مَنْ يَتَّخِذِ يؤثر ويختر الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ المتولى لعموم امور عباده فَقَدْ خَسِرَ لنفسه خُسْراناً مُبِيناً ظاهر الخسارة والحرمان إذ بدل المتخذ ولاية الله الهادي بولاية الشيطان المضل المغوى ولا خسران أعظم منه وكيف لا يكون ولاية الشيطان خسرانا

إذ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ الشيطان شيأ لا ينالون ولا يصلون اليه أصلا وَكيف يصلون والى اى شيء ينالون إذ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ وما يغريهم عليه ما هو إِلَّا غُرُوراً واوهاما وخيالات باطلة لا وجود لها أصلا لا حالا ولا مآلا

وبالجملة أُولئِكَ المغرورون بغرور الشيطان والضالون بإضلاله واغرائه مَأْواهُمْ ومثواهم جَهَنَّمُ البعد ونيران الإمكان وَهم لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً ملجأ ومهربا أصلا بل يبقون فيها مخلدا مؤبدا

وَالَّذِينَ آمَنُوا بولاية الله إياهم وتوحيده وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على مقتضى ما امر الله به ويسرهم عليه سَنُدْخِلُهُمْ بمقتضى فضلنا وجودنا جَنَّاتٍ اى متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق والكشوفات والشهودات المتجددة بتجددات التجليات وتطورات الشئونات المترتبة على الأسماء والصفات الإلهية خالِدِينَ فِيها أَبَداً مؤبدا مخلدا على هذا المنوال وبالجملة وَعْدَ اللَّهِ العليم الحكيم الذي قد وعده لخلص عباده حَقًّا ثابتا مثبتا في حضرة علمه الحضوري قبل خلقهم بمدة لا يعرفها الا هو فعليكم ايها المؤمنون ان تصدقوا وعده الثابت عنده وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وقولا فصدقوه قوله وثقوا به

واعلموا ايها المؤمنون المحمديون ان ما ينالكم ويصل إليكم مما وعد لكم ربكم لَيْسَ وصوله وحصوله لكم بِأَمانِيِّكُمْ اى بمجرد الأماني والميل النفساني منكم بلا قدم واقدام ونسك وسلوك وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ اى ليس ايضا ما يصل وينال إليهم بامانيهم كذلك فلا تخالفوا ولا تنازعوا معهم بل الأمور والمواعيد الواصلة إليكم وإليهم كلها انما

<<  <  ج: ص:  >  >>