سبحانه تتميم ما مضى من آداب الخلطة والمؤانسة بين المؤمنين فقال مناديا لهم على العموم ليقبلوا الى امتثال ما أمروا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا من آداب المصاحبة والإخاء هذا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ بالدخول على بيوتكم وليسترخص منكم ايها المؤمنون خدمتكم يعنى الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ سواء كانوا عبيدا او إماء وأنتم رجال او نساء ذكر الضمير على سبيل التغليب وَكذا الصبيان الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ اى لم يبلغوا وقت الحلم منكم خص بالذكر لكونه أقوى اسباب البلوغ الى وقت التكليف ثَلاثَ مَرَّاتٍ يعنى يستأذنكم الخدمة والصبيان منكم في ثلثة اوقات لدخولهم أحدها مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ إذ هو وقت التجرد والانخلاع عن ثياب النوم والدخول فيه منهى وَثانيها حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ للقيلولة والاستراحة وَثالثها مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ وهو وقت التجرد عن الثياب للنوم وبالجملة الأوقات المذكورة ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لا بد من تحفظكم فيها عن من يشوشكم ويطلع على سرائركم لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ ضيق ومنع بَعْدَهُنَّ اى بعد الأوقات الثلاثة لو دخلوا عليكم بلا اذن منكم إذ هم خدمة طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ليخدموكم إذ جبلتكم واصل فطرتكم على ان يظاهر بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ ويطوف عليه ويحوم ليخدمه كَذلِكَ اى مثل ذلك البيان يُبَيِّنُ اللَّهُ المدبر لمصالحكم لَكُمُ الْآياتِ الدالة على آداب المصاحبة والمؤانسة وَاللَّهُ المطلع لأحوال عباده عَلِيمٌ بمصالحهم ومفاسدهم حَكِيمٌ في ضبطها وحفظها بحيث لا يختل امر النظام المتعارف
وَكذا إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ وظهر منهم امارات الميل والشهوات سواء كانوا ذكرا او أنثى فَلْيَسْتَأْذِنُوا مطلقا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأحرار البالغين إذ هم قد دخلوا في حكمهم بعد الحلم وبالجملة كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ الدالة على آداب مخالطتكم وحسن معاشرتكم وَاللَّهُ المدبر المصلح لأحوال عباده عَلِيمٌ بما في ضمائرهم من المنكرات حَكِيمٌ دفعها قبل وقوعها
وَالْقَواعِدُ مِنَ العجائز النِّساءِ اللَّاتِي قد قعدن عن الحيض والحمل وشهوة الوقاع مطلقا بحيث لا يَرْجُونَ ولا يأمن نِكاحاً فراشا وزواجا لكبرهن وكهولتهن فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ اى ذنب وكراهة أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ اى الثياب الظاهرة التي تلبسها فوق الأستار كالجلباب حال كونهن غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ ومظهرات بِزِينَةٍ مشهية للرجال مثيرة لشهواتهم يعنى الزينة التي قد منعن من ابدائها في كريمة ولا يبدين زينتهن الآية وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ عن الوضع خَيْرٌ لَهُنَّ سواء كن عجائز أم شواب لان العفة ابعد من التهمة في كل الأحوال وَاللَّهُ المطلع بسرائرهن سَمِيعٌ لمقالتهن مع الرجال عَلِيمٌ بنياتهن منها
ثم لما كان العرب قد كانوا يتحرجون عن مصاحبة ذوى العاهات والمؤاكلة معهم استقذارا وكانوا ايضا يتحرجون من دخول البيوتات المذكورة لأكل الطعام تعظما واستكبارا بل يعدونه عارا ويستنكفون منه تجبرا واستكبارا رد الله عليهم ونفى الحرج عنهم فقال لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ان يأكل مع البصير وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ان يأكل مع السوى الصحيح السالم ويجلس معه وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ان يأكل مع الأصحاء وَلا حرج ايضا عَلى أَنْفُسِكُمْ في أكلكم مطلقا سواء أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ وعند أهليكم ومحارمكم وسواء كان من اكسابكم او اكساب أولادكم أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ او أجدادكم إذ هم مستخلفون لكم أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ إذ بينكم وبينهن نسبة الكلية والجزئية