للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً قتالا فِي الْأَرْضِ ظلما وعدوانا بطرا مباهيا بقدرتك وقوتك وَبالجملة ما تُرِيدُ وما تقصد أنت بهذه الجرأة والجريمة أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بين المتخاصمين بل ما أنت الا من المفسدين أشد إفساد

وَبعد ما انتشر الخبر بين العوام وشاع بين الأنام الى ان وصل الى فرعون وملائه فحضر اولياء المقتول على باب السلطان طالبين القود من القاتل فهم فرعون وملاؤه بقتل موسى بعد ما قد شاوروا في شأنه مشاورة عظيمة قد جاءَ رَجُلٌ مؤمن بموسى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ نحوه وهو ابن عمه حال كونه يَسْعى يسرع ويتبختر قالَ باكيا يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ اى فرعون واشراف قومه يَأْتَمِرُونَ بِكَ ويتشاورون في شأنك واستقر رأيهم لِيَقْتُلُوكَ قصاصا فَاخْرُجْ من المدينة في هذه الساعة وبالجملة إِنِّي من كمال عطفي ومرحمتى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ أنصحك بالخروج من بينهم لئلا يلحقك شرهم وضرهم وبعد ما سمع موسى من المؤمن الناصح ما سمع

فَخَرَجَ مِنْها اى من المدينة على الفور خائِفاً يَتَرَقَّبُ ادراكهم من الخلف قالَ حين خروجه منها ملتجأ الى الله مناجيا معه مستعينا مغيثا اليه رَبِّ يا من رباني بكنف حفظك وجوارك ونجاني من انواع الفتن والمحن نَجِّنِي بلطفك اليوم ايضا مِنَ ادراك الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ القاصدين لمقتي وقتلى

وَلَمَّا تَوَجَّهَ موسى تِلْقاءَ مَدْيَنَ اى جهة قرية شعيب النبي صلوات الله عليه وسلامه قالَ راجيا الى الله ذاكرا سوابق نعمه عليه من كمال فضله وكرمه عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي حسب جوده العميم سَواءَ السَّبِيلِ اى الطريق المستقيم المنجى عن العدو الموصل الى الصديق المشفق المرشد ليهدينى الى صراط الله الأقوم الأعدل الذي هو التوحيد المخلص عن وساوس التقليد فعن له يومئذ ثلاث طرق فاختار أوسطها بالهام الله إياه وجاء الطلاب عقيبه فاختاروا الآخرين فنجى من شرورهم

وَلَمَّا وَرَدَ ووصل بعد ما سار ثمانية ايام بلا زاد يأكل الكلأ ماءَ مَدْيَنَ اى بئرا قرب مدين قد كان أهلها يسقون منها مواشيهم وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً اى فرقة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مواشيهم وأنعامهم بالدلو وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اى في مكان ابعد منهم وأسفل من مكانهم امْرَأَتَيْنِ معهما أغنام كثيرة وهما تَذُودانِ تطردان وتصرفان غنمهما عن اختلاط غنمهم وتبعدان عن الماء قالَ موسى سائلا عنهما بعد ما شاهد حالهما وذودهما ما خَطْبُكُما واى شيء شأنكما وأمركما واى شيء مقصودكما من الذود مع ان اغنامكما في غاية العطش قالَتا مع كمال الاستحياء والتحفظ من مكالمته في جوابه لا نَسْقِي أغنامنا مع هؤلاء الرجال إذ نحن من اهل بيت النبوة لا نجتمع معهم في السقي بل نصبر حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ويخلو الدلو ويخرجوا مواشيهم الى المرعى عن رأس الماء. الرعاء جمع راع كتجار جمع تاجر هذا على قراءة يصدر بضم الياء وكسر الدال واما على قراءة يصدر بفتح الياء وضم الدال اى يذهب الرعاة والحفظة بمواشيهم مرتوية وينصرفوا عن شفير البئر إذ نحن لا نختلط باجانب الرجال وَبالجملة نحن من غاية اضطرارنا وضرورتنا قد جئنا للسقي إذ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فاقد البصر وما لنا أخ وعم وليس لأبينا ظهير وهو شيخ ضرير وبعد ما سمع موسى منهما ما سمع ورأى ما رأى من كمال العفة والعصمة قام مع انه في غاية الضعف من شدة الجوع والعطش وفي رأس البئر حجر عظيم يقلبه عند الاستقاء جمع كثير فقلبه وحده

فَسَقى لَهُما جميع اغنامهما فانصرفتا وذهبتا باغنامهما الى بيتهما ثُمَّ تَوَلَّى وانصرف موسى إِلَى الظِّلِّ وازداد جوعه وعناه من فرط

<<  <  ج: ص:  >  >>