للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبالجملة قد تحقق عند عموم العقلاء انه قَدْ خابَ خيبة ابدية مَنِ افْتَرى على الله بما لا يليق بشأنه من ابطال قدرته او دعوى المعارضة معها وبعد ما سمع السحرة من موسى قوله هذا وتأملوا فيه تأملا صادقا قد وجدوه صادرا عن محض الحكمة والفطنة لذلك قد تأثروا من قوله تأثرا عظيما

فَتَنازَعُوا وتشاوروا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ بان أمثال هذا الكلام لا تصدر الا من المؤيد من عند الله المستظهر به سبحانه وما يشبه كلام السحرة المعارضين فمال كل منهم في نفسه الى تصديقه وَأَسَرُّوا النَّجْوى اى اخفوا مناجاتهم في أنفسهم من فرعون وملائه وبالجملة قد تمكن فرعون وملاؤه في معرض المعارضة وقابلوا السحرة لممانعتهما

قالُوا اى فرعون واشرافهم للسحرة تقوية لهم في أمرهم وتأييدا لهم إِنْ هذانِ الرجلان الحقيران لَساحِرانِ يدعيان الرسالة من ربهما الموهوم ترويجا لسحرهما المزور وبعد ذلك يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ المألوفة بِسِحْرِهِما اى بمجرد سحرهما لا من امر سماوي كما زعما وبعد اخراجنا من ارضنا يريدان ويتمنيان الاستقرار والاستيلاء على مملكة العمالقة وَيَذْهَبا بعد التقرر والتمكن بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى اى بعادتكم العظمى ومرتبتكم العليا وبالجملة يريدان ان يجعلا أمرنا وامر بنى إسرائيل بالعكس ليكون لهم الكبرياء ولنا المذلة والهوان بعكس ما قد كنا عليه من سالف الزمان ومتى سمعتم نبذا من مقاصدهما

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ اى هيئوا عموم اسباب سحركم بحيث لا تحتاجون لدى الحاجة الى شيء من أدواته ثُمَّ ائْتُوا عليهما صَفًّا صافين مجتمعين بمقابلتهما إذ هو ادخل في المهابة والإلزام وَاعلموا انه قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ اى فاز ووصل بأنواع المواهب والعطاء مَنِ اسْتَعْلى وغلب عليهما ثم لما أتى السحرة صافين مستعدين نحو الموعد على الوجه الذي أمروا

قالُوا من فرط عتوهم واستيلائهم يا مُوسى نادوه على سبيل الاستحقار والاستذلال إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أنت أولا ما تلقيت وجئت به في مقابلتنا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ما تلقينا في مقابلتك فالامران عندنا سيان إذ نحن عصبة ومعنا جميع هذه الخلائق وضيعها وشريفها وأنت ضعيف ليس معك سوى أخيك

قالَ موسى لا تضعفونى ايها الحمقى ولا تبالغوا في حقارتى وإهانتي اتكاء بهؤلاء الطغاة البغاة الهالكين في تيه العتو والعناد واعلموا ان معى ربي سيقوينى ان شاء الله ويغلبني وحدي على جميع من في الأرض بَلْ أَلْقُوا أنتم أولا ايها المفترون ما أنتم ملقون فالقوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ التي سحروا بها يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الى موسى مِنْ أجل سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى بذواتها كعصا موسى وبعد ما رأى

فَأَوْجَسَ وأضمر فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى اى اخطر بباله وأضمر في نفسه خوفا من ان يغلبوه ثم لما علمنا من موسى خوفه

قُلْنا له تشريحا لصدره وازالة لرعبه لا تَخَفْ ايها المرسل من عندنا من تماثيلهم الباطلة الغير المطابقة للواقع إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى الغالب عليهم المقصور على الغلبة والعلو بعد القائك العصا

وَبعد ما اطمأن قلبك بوحينا لك هذا أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ يعنى العصا بالجرأة التامة والقدرة الغالبة بلا جبن وتزلزل وبلا مبالات بهم وبتمثيلاتهم تَلْقَفْ تبتلع وتلتقم ما صَنَعُوا لمعارضتك إِنَّما التماثيل التي قد صَنَعُوا لا اعتبار لها بل ما هي الا كَيْدُ ساحِرٍ وحيلة مخادع ماكر وَبالجملة لا يُفْلِحُ ولا يفوز ولا يغلب السَّاحِرُ بحيلته وسحره حَيْثُ أَتى وفي اى مكان جاء به سواء كان عند معاونيه او في مكان آخر فالقى موسى عصاه امتثالا لأمر ربه فصارت ثعبانا مهيبا فابتلع على الفور تماثيلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>