للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ المهرة في فن السحر لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ اى لوقت قد عين لجمعهم في يوم الزينة وهو وقت الضحى

وَقِيلَ لِلنَّاسِ اى نودي عليهم في الطرق والسكك هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لموعد يوم معلوم حتى تشاهدوا حال موسى وهارون وغلبة السحرة عليهما وابطال ما أتيا به من السحر

لَعَلَّنا بأجمعنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ إياهما فخرج فرعون الى الموعد واجتمع الناس فيه واحضروا موسى وهارون

فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ الموعد قالُوا لِفِرْعَوْنَ مؤملين طالبين الجعل منه أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ المبطلين ما جاءوا به من السحر

قالَ لهم فرعون نَعَمْ ان غلبتم أنتم لكم من الأجر أقصى ما املتم وطلبتم وَمع ذلك إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ اى المصاحبين معى فلكم الترقي في المراتب والمناصب والزيادة في الانعام والإحسان في كل حين وأوان يوما فيوما وبعد ما قد رضوا بما وعدوا جاءوا بمقابلة موسى واشتغلوا بمعارضته

قالَ لَهُمْ اى للسحرة مُوسى على سبيل الجرأة وعدم المبالاة بهم وسحرهم أَلْقُوا ايها الطغاة المعارضون المتعارضون بأكاذيب السحر والشعبذة مع آيات الله ومعجزاته عنادا ومكابرة ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ من الأباطيل الزائغة الزائلة

فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ التي قد احتالوا فيها بأنواع الحيل وَقالُوا حين القائها مقسما بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ وبسطوته وجلاله إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ المقصورون على النصر والغلبة على موسى وأخيه هارون ولما رأى موسى من أباطيلهم ما رأى

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ على الفور بالهام الله إياه فَإِذا هِيَ ثعبان مبين أخذت تَلْقَفُ تبتلع وتلتقم عموم ما يَأْفِكُونَ ويحتالون فيه ويخيلونه حيات تسعى بتمويهاتهم وتزويراتهم وبعد ما قد شاهد السحرة من عصا موسى ما شاهدوا من الأمر العظيم المعجز الذي لا يتأتى للساحر مثله تيقنوا انها ما هي سحر وشعبذة بل امر سماوي الهى لا يكتنه لميته ولا كيفيته

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ على الفور بلا تردد وتأمل ساجِدِينَ متذللين واضعين جباههم على تراب المذلة استحياء من مقابلة أباطيلهم الزائغة معه

قالُوا حين سقطوا ساجدين قد آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ

رَبِّ مُوسى وَهارُونَ وقد صدقنا الآن بأنهما رسولان من الحق بالحق لترويج الحق واذعنا الآن ان لا معبود يعبد بالحق ويستحق للعبادة سواه ولا اله غيره وبعد ما قد رأى فرعون منهم ما رأى

قالَ مهددا متوعدا إياهم قد آمَنْتُمْ لَهُ اى لموسى ولإلهه بعينه قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ انا بتصديقه وإيمانه فقد لاح لدى ووضح عندي إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ومعلمكم الَّذِي قد عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ واتفقتم معه في الخلوة لتفضحونا على رؤس الملأ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ايها المفسدون انا اقدر على الانتقام والتعذيب أم رب موسى لَأُقَطِّعَنَّ البتة اليوم أولا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ متبادلتين وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ بعد ذلك على رؤس الاشهاد أَجْمَعِينَ بجمعكم هذا ليعتبر من حالكم من كان في قلبه خلافنا ونفاقنا وبعد ما سمعوا منه تهديده ووعيده

قالُوا منقطعين نحو الحق متشوقين بلقياه لا ضَيْرَ ولا ضر يلحق بنا من قتلك وإهلاكك إيانا ايها المتجبر الطاغي بل ما قتلك الا عين مصلحتنا ومرمانا إِنَّا بالموت الصوري والهلاك المجازى إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ صائرون راجعون متصلون واصلون بعد ارتفاع انانيتنا الباطلة من البين واضمحلال هويتنا العاطلة عن العين

إِنَّا نَطْمَعُ من سعة رحمة الله ومن وفور لطفه وإحسانه بعد ما خرجنا عن كسوة ناسوتنا أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا التي قد صدرت عنا أوان جهلنا وغفلتنا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ اى لان كنا أول المؤمنين الموقنين بتوحيده اليوم

وَبعد ما قد قضى اللعين عليهم ما قضى وجرى على أولئك المظلومين المقبولين

<<  <  ج: ص:  >  >>