للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ايها الملأ ما أَهْدِيكُمْ بقولي هذا وهو امرى بقتله إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ الموصل الى نجاتكم وخلاصكم من مفسدة هذا المدعى الساحر

وَبعد ما قد أكد فرعون امر القتل وبالغ في تصميم العزم قالَ الرجل الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ ناداهم وأضافهم الى نفسه إظهارا لكمال الاختصاص والشفقة إِنِّي بمقتضى عقلي أَخافُ عَلَيْكُمْ عذاب يوم هائل شديد مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ الهالكين المستأصلين بحلول عذاب الله عليهم فيه لان دأبكم وديدنتكم في الخروج عن حدود الله ومقتضيات امره وأحكامه والظهور على رسله وتكذيبكم إياهم ليس الا

مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَمثل سائر المكذبين المسرفين المفرطين الَّذِينَ قد ظهروا على الرسل وكفروا به سبحانه مِنْ بَعْدِهِمْ فلحقهم من العذاب ما لحقهم وكذلك يحل عليكم مثل ما قد حل عليهم لو تقتفوا أثرهم بالخروج عن مقتضى الحدود الإلهية وَالا مَا اللَّهُ العليم الحكيم يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ المتحرزين عن مطلق الجرائم والآثام المنافية للحدود الإلهية فلا يعاقب من لا ذنب له ولا يحل عليه عذابه

ثم ناداهم القائل الموحد ايضا على سبيل التأكيد والمبالغة تتميما لما يخفى في صدره من ترويج الحق وتقوية الرسل المرسلين به فقال وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ اى العذاب الموعود في يوم القيامة سميت به لتفرق الناس فيه وفرار كل منهم من أخيه وأبيه وامه وبنيه

وأخاف ايضا يَوْمَ تُوَلُّونَ وتنصرفون عن موقف العرض والحساب مُدْبِرِينَ قهقرى هاربين فارين من كثرة الآثام والجرائم الجالبة لانواع العذاب وبالجملة تخيلوا ايها المسرفون وتخمنوا في نفوسكم ما لَكُمْ يومئذ مِنَ غضب اللَّهِ المنتقم الغيور ومن حلول عذابه عليكم مِنْ عاصِمٍ يعصمكم ويدفع عنكم عذابه وَبالجملة اعلموا انه مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ المضل حسب قهره وجلاله ويحمله على ما لا ينبغي له ولا يرضى منه سبحانه بل انما ابتلاه وحمله عليه فتنة واختيارا فَما لَهُ مِنْ هادٍ اى قد ظهر انه ما له هاد يهديه الى ما يعنيه ويليق بحاله ويرضى منه سبحانه

ثم قال القائل المذكور تسجيلا على غيهم وضلالهم وَكيف تستبعدون نبوة هذا المدعى ورسالته من عند الله مع انه ليس ببدع منه بل لَقَدْ جاءَكُمْ على آبائكم واسلافكم يُوسُفُ بن يعقوب رسولا مِنْ قَبْلُ اى من قبل هذا المدعى مؤيدا من عند الله سبحانه بِالْبَيِّناتِ المبينة الموضحة لدعواه ورسالته مثل هذا المدعى المؤيد فَما زِلْتُمْ قد كنتم دائما مستمرا سلفا وخلفا فِي شَكٍّ وتردد مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ من امر الدين وشأن التوحيد واليقين حَتَّى إِذا هَلَكَ ومات يوسف عليه السلام وانقرض زمانه قُلْتُمْ من شدة تعنتكم وعنادكم على سبيل الجزم بلا دليل وبرهان لاح عليكم لا نقلا ولا عقلا لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ ولن يرسل مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا مع انكم قد كنتم شاكين في رسالته ايضا بل في مطلق الرسالة والإنزال والاخبار من الله الواحد القهار كَذلِكَ اى مثل ضلالكم هذا يُضِلُّ اللَّهُ المضل حسب قهره وجلاله عموم مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ في الخروج عن مقتضى الحدود الموضوعة لحفظ القسط الإلهي والاعتدال الحقيقي مُرْتابٌ متردد شاك فيما تثبته البينات الواضحة والمعجزات اللائحة

وبالجملة المسرفون المكابرون الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ الدالة على توحيده واستقلاله بالتصرفات الواقعة في ملكه وملكوته مع ان جدالهم هذا قد صدر عنهم بِغَيْرِ سُلْطانٍ اى بلا حجة قاطعة وبرهان واضح أَتاهُمْ على وجه الإلهام او الوحى والبيان وبالجملة قد كَبُرَ وعظم

<<  <  ج: ص:  >  >>