للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تشكوا في سعة رحمة الله وفضله بحرمان البعض وطرده إذ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يفضل على من يفضل حسب مشيته وحكمته ومصلحته المختفية عن عقول عباده الا من اطلعه الله على سرائر أفعاله من الكمل جعلنا الله من محبيهم ومتبعيهم ثم اعلم ان الحوادث الكائنة في الآفاق كلية كانت او جزئية غيبا او شهادة وهما او خيالا انما هي بمقتضيات الأوصاف والأسماء الإلهية الكلية المشتملة كل منها على أوصاف جزئية غير متناهية بلا تكرر وتوارد فما من حادثة حدثت في عالم الكون والفساد إلا وهي ناشئة من وصف خاص الهى واسم خاص يخصه ويربيه بحيث لا يوجد في غيره لذلك قيل لا يتجلى الله في صورة مرتين لئلا يلزم التكرار المنافى للقدرة الكاملة ولا في صورة واحدة لاثنين لئلا يلزم العجز عن إتيان الصورة الاخرى

والى هذا أشار سبحانه بقوله ما نَنْسَخْ نغير ونبذل مِنْ آيَةٍ نازلة حاكمة في وقت وزمان يقتضيه نزولها من اسم مخصوص الهى أَوْ نُنْسِها نمحها ونحكها من القلوب كأنها لم تنزل قط نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها اى متى ننسخها او ننسها نأت بخير منها حسب اقتضاء الزمان الثاني والاسم الخاص له إذ سريان الوجود دائما على الترقي في الكمال حسب الحكمة المتقنة البالغة أَوْ مِثْلِها إذ التجدد انما يكون بالأمثال والإعادة على طبق الابتداء ثم استفهم سبحانه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم تعظيما له وتذكيرا للمؤمنين فقال أَلَمْ تَعْلَمْ أنت يا أكمل الرسل يقينا أَنَّ اللَّهَ المتجلى بالتجليات الغير المتناهية عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإبداء والإعادة والإنزال والتغيير قَدِيرٌ لا تنتهي قدرته عند المراد بل له التصرف فيه ما شاء بالإرادة والاختيار

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يتصرف فيهما كم شاء وكيف يشاء بلا فتور ولا فطور هذا في الآفاق وارجعوا الى انفسكم وَاعلموا انه ما لَكُمْ في ذواتكم وهوياتكم مِنْ دُونِ اللَّهِ المحيط بكم وبجميع اوصافكم مِنْ وَلِيٍّ يولى أموركم وَلا نَصِيرٍ يعين عليكم من دونه بل هو بذاته محيط بهوياتكم وماهياتكم كما اخبر به سبحانه في قوله كنت سمعه وبصره ويده ورجله الحديث أتسلمون وتفوضون أموركم الى الله ورسوله ايها المؤمنون وتقبلون دين الإسلام تعبدا وانقيادا

أَمْ تُرِيدُونَ وتقصدون أَنْ تَسْئَلُوا وتقترحوا عن سرائر الآيات النازلة عليكم لإصلاح حالكم رَسُولَكُمْ عنادا ومكابرة كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ من الآيات النازلة لإصلاح بنى إسرائيل فما نزل عليهم من آية الا وقد سئلوا سرها من موسى عليه السّلام على وجه الإلحاح والاقتراح فجازاهم الله بمقتضى اقتراحهم وان اقترحتم ايضا كما اقترحوا يجازيكم الله ايضا كما جازاهم وَاعلموا ان مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ الموهوم المذموم بِالْإِيمانِ المحقق المجزوم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى عن الصراط السوى الموصل الى التوحيد الذاتي كما ضل بنوا إسرائيل عن طريق الحق بمخالفة كتاب الله وتكذيب رسله

ثم اعلموا ايها المؤمنون انه قد وَدَّ وأحب كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ سيما اليهود والنصارى لَوْ يَرُدُّونَكُمْ بأنواع الحيل والنفاق مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ بالله وكتبه ورسله كُفَّاراً مرتدين واجب القتل والمقت عند الله وليس ودادتهم كفركم لغاية تشددهم وتصلبهم في دينهم ونهاية غيرتهم عليه بل حَسَداً عليكم ناشئا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ من غاية عداوتهم معكم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ وظهر عندهم ان دينكم الْحَقُّ المطابق للواقع بشهادة كتابهم ونبيهم وإذا فهمتم أمرهم وعرفتم عداوتهم فَاعْفُوا عن الانتقام والعقوبة وَاصْفَحُوا اى اعرضوا وانصرفوا عن التعيير والتقريع واصبروا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ويحكم بحكمه المبرم من ضرب

<<  <  ج: ص:  >  >>