للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسل تبشيرا وتنبيها إِنَّنِي مع كوني من حملتكم وبنى نوعكم لَكُمْ مِنْهُ اى من الله المتوحد بذاته حسب امره ووحيه نَذِيرٌ أنذركم عما يبعدكم عن الحق حتى لا تستحقوا عذابه وعقابه وَبَشِيرٌ ايضا من لدنه سبحانه أبشركم بما بقربكم نحو جنابه حتى تستحقوا الفوز العظيم من عنده سبحانه

وَايضا قد حكم فيه أَنِ اسْتَغْفِرُوا واسترجعوا في فرطاتكم رَبَّكُمْ الذي رباكم على فطرة المعرفة والتوحيد ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ وترجعوا نحوه وتوصلوا به سبحانه بعد رفع حجب الانابة عن البين وكشف سدل التعينات الوهمية عن العين يُمَتِّعْكُمْ بعد اضمحلال رسومكم وتلاشى هوياتكم في هويته بالرزق المعنوي والغداء الحقيقي من عنده مَتاعاً حَسَناً بمقتضى نشئات أوصافه وأسمائه وتطورات تجلياته الجمالية والجلالية إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو عبارة عن الطامات الكبرى التي قد انقهرت دونها توهمات الاظلال وتحيلات السوى والاعيار وَبعد تسييركم وتنزيلكم من عالم الغيب متنازلين الى عالم الشهادة لاقتراف المعارف والحقائق وترجيعكم منها اليه متصاعدين اظهار لقدرته وسلطته وكمال حكمته ومصلحته التي لا تنكشف الا له ولا تكتنه الا عنده يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ اى يؤتى ويعطى كلا من ذوى العناية الموفقين على الهداية التي قد خلقوا لأجلها فَضْلَهُ اى حقه وحراءه اى قبل منهم ما اكتسبوا من الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات واقرهم في النهاية على مقر قد نزلوا عنه في البداية وَقل لهم يا أكمل الرسل امحاضا للنصح إِنْ تَوَلَّوْا وتعرضوا وتنصرفوا عن مقتضى إنذاري وتبشيرى فَإِنِّي من غاية اشفاقى لكم وتحننى نحوكم أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ اى من نزول العذاب عليكم سيما يوم العرض الأكبر الذي قد أشرقت فيه شمس الذات الى حيث اضمحلت دونها نقوش الاظلال والعكوس مطلقا وفنى في شروقها السوى والأغيار رأسا ونودي حينئذ من وراء سرادقات العز والحلال عند ارتفاع تراحم الاظلال والأغيار لمن الملك اليوم وأجيب ايضا من وراءها إذ لا مجيب غيره لله الواحد القهار

وبالجملة اعلموا ايها الاظلال المقهورة والعكوس المستهلكة إِلَى اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المتجلى في الآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق مَرْجِعُكُمْ ورجوعكم جميعا رجوع الظل الى ذي الظل والعكوس الى ما انعكس هي منه وَبالجملة هُوَ سبحانه في ذاته مع انه قاهر فوق عباده عَلى كُلِّ شَيْءٍ من صور العذاب والانتقام قَدِيرٌ لا يخرج عن حبطة قدرته مقدور ولا يعزب عن حضرة علمه معلوم مما جرى عليهم من الأحوال

أَلا إِنَّهُمْ اى المحجوبين الغافلين من غاية جهلهم وغفلتهم عن الله يَثْنُونَ ويعطفون ويحرفون صُدُورَهُمْ عن الميل الى الحق وعن التوجه نحوه طالبين لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ اى يستروا ويخفوا من الله ما تكن صدورهم من الاعراض عن الحق والمخالفة بأوامره ورسله أَلا انهم لم يعلموا ولم يتفطنوا ان الله المطلع بجميع ما جرى ويجرى في ملكه وملكوته يعلم منهم عموم ما جرى عليهم ولاح منهم حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ويطلبون التدثر والتغطى بها وقت رقودهم في مضاجعهم بل يَعْلَمُ منهم جميع ما يُسِرُّونَ في ضمائرهم وَما يُعْلِنُونَ بأفواههم ومشاعرهم وكيف لا يعلم سبحانه إِنَّهُ بذاته وبمقتضى أسمائه وصفاته عَلِيمٌ بعلمه الحضوري بِذاتِ الصُّدُورِ وبما هو مكنون فيها من السرائر والضمائر

وَكيف يستبعد أمثال هذا من حيطة حضرة علمه المحيط إذ ما مِنْ دَابَّةٍ تتحرك فِي الْأَرْضِ مثلا إِلَّا عَلَى اللَّهِ المتكفل لأرزاق مظاهره ومصنوعاته مطلقا رِزْقُها

<<  <  ج: ص:  >  >>