للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم في مجلسه رد الله سبحانه على رسوله ردا بليغا ونهاه عنه نهيا شديدا حيث قال سبحانه مؤدبا له صلّى الله عليه وسلّم بل مقرعا عليه

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ اى ان التمست القريش منك ابعاد الفقراء وبالغوا في طردهم وذبهم عن صحبتك لا تجبهم أنت ولا تنجح مطلوبهم بل اصبر ووطن نفسك المائلة الى غناهم وصفاء زيهم ولباسهم مَعَ الفقراء الَّذِينَ شأنهم انهم يَدْعُونَ ويعبدون رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ اى طرفي النهار وما بينهما يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ويتوجهون نحوه مخلصين بلا ميل عنهم الى الهوى ومزخرفات الدنيا مع غاية فقرهم وفاقتهم وَلا تَعْدُ اى لا تمل ولا تصرف عَيْناكَ عَنْهُمْ لرثاثة حالهم وخلق ثيابهم الى الأغنياء وزيهم البهي حال كونك تُرِيدُ وتقصد زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا بالالتفات إليهم والميل الى مصاحبتهم ومجالستهم والركون الى جاههم وثروتهم وَلا تُطِعْ ولا تتفق معهم في طرد الفقراء والاعراض عنهم بمجرد ميلك الى ايمان أولئك الأغنياء البعداء عن روح الله ورحمته ولا تلتفت التفات متحنن متشوق الى مَنْ قد أَغْفَلْنا قَلْبَهُ وختمنا عليه بالإعراض عَنْ ذِكْرِنا ختما لا يرتفع عنه أصلا وَلذا قد صار من العتو والعناد الى ان اتَّبَعَ هَواهُ واتخذه الها واجتنب عن مولاه ونبذه وراءه وَبالجملة قد كانَ أَمْرُهُ وشأنه في هذا الاتباع والاتخاذ فُرُطاً ميلا وتقدما نحو الباطل افراطا وتفريطا اعراضا عن الحق ونبذا له وراءه ظهريا

وَقُلِ على سبيل الإرشاد والتبليغ بلا مراعاة ومداهنة الْحَقُّ الصريح الثابت ما قد نزل ونشأ مِنْ رَبِّكُمْ الذي قد انشأكم وأظهركم من كتم العدم وأصلح أحوالكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلغ جميع ما اوحى إليك إياهم بلا تبديل ولا تغيير إذ ما عليك الا البلاغ والتبليغ فَمَنْ شاءَ منهم الفوز والفلاح فَلْيُؤْمِنْ بالله وكتبه ورسله حسب ما بلغت وَمَنْ شاءَ منهم الوبال والنكال في الدارين فَلْيَكْفُرْ واعلم انه سبحانه لا يبالى بكفرهم ولا بايمانهم إذ هو منزه بذاته عن ايمان عباده وكفرهم. ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والتنبيه إِنَّا من مقام عدلنا وقهرنا سيما على من اعرض عنا من عبادنا وانصرف عن مقتضى أوامرنا ونواهينا أَعْتَدْنا وهيأنا سيما لِلظَّالِمِينَ منهم الخارجين عن مقتضيات حدودنا وأحكامنا الموضوعة فيما بينهم لإصلاحهم ناراً ذات التهاب ومهيب واشتعال عال بحيث قد أَحاطَ اى احتوى واشتمل بِهِمْ سُرادِقُها اى لهبها التي هي كالفسطاط في الاحاطة والشمول والفسطاط البيت المتخذ من الشعر وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من شدة العطش ونهاية حرقة الكبد والزفرة المفرطة يُغاثُوا ويجابوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ في اللون وهو الحديد المذاب وفي الحرارة الى حيث يَشْوِي الْوُجُوهَ ويحرقها وقت تقريبه الى الفم للشرب وبالجملة بِئْسَ الشَّرابُ شراب المهل وَساءَتْ جهنم وأوديتها المملوة بنيران الحرمان والخذلان مُرْتَفَقاً منزلا ومسكنا يسكنون فيها ابدا مخلدا

ثم اتبع سبحانه الوعيد بالوعد بمقتضى سنته السنية المستمرة في كتابه هذا فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة ذاتنا وبكمالات اوصافنا وأسمائنا وصدقوا إرسال الرسل وإنزال الكتب المبينة الموضحة لأحكامنا الصادرة منا على مقتضى الأزمان والأدوار وَمع الايمان والإذعان قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المأمورة لهم في الكتب والسنة الرسل واجتنبوا ايضا عما نهيناهم عنها فجزاؤهم علينا نجازيهم ونضاعف لهم بأضعاف ما يستحقون بأعمالهم الحسنة وإخلاصهم فيها إِنَّا من مقام عظيم فضلنا وجودنا لا نُضِيعُ ولا نهمل أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا وأخلص نية وأتم قصدا

<<  <  ج: ص:  >  >>