للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبالغة في التوبيخ كأنه استدل عليه وصرح بنهيه وتقبيحه على سبيل المبالغة فقال أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ ويرضى لنفسه أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ سيما حال كونه مَيْتاً ولو فرض عرض هذا عليكم فَكَرِهْتُمُوهُ البتة إذ لا يمكنكم انكار كراهته وغيبة أخ المؤمن اكره وأقبح من هذا وَبالجملة اتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور عن ارتكاب الغيبة المحرمة وتوبوا اليه عنها وعن أمثالها إِنَّ اللَّهَ المطلع على ما في ضمائركم من الندم والإخلاص تَوَّابٌ يقبل منكم توبتكم ان اخلصتم فيها رَحِيمٌ يمحو عنكم زلتكم بعد ما تبتم ورجعتم نادمين عما فعلتم. ثم أكد سبحانه ايضا هذا الحكم على وجه التفصيل فقال

يا أَيُّهَا النَّاسُ الناسون المنشأ الأصلي والفطرة الجبلية إِنَّا خَلَقْناكُمْ اى اوجدناكم وأخرجناكم جميعا مِنْ ذَكَرٍ هو آدم المصور بصورتنا حسب حصته اللاهوتية المجبول على خلافتنا في عالم الناسوت وَأُنْثى هي حواء المنشعبة من آدم باعتبار حصة ناسوته وَبعد ما صيرناهما زوجين ممتزجين مزدوجين من حصتي اللاهوت والناسوت قد جَعَلْناكُمْ وصيرناكم شُعُوباً متكثرة من اصل واحد هو آدم وَقَبائِلَ مختلفة متحزبة من تلك الشعوب إذ الشعب هي الجمع المتكثر المنشعب عن اصل واحد والقبيلة هي الفرق المختلفة الحاصلة من الشعب والعمارة هي الطائفة المتفرعة عن القبيلة والبطن الجمع المتفرع عن العمارة والفخذ متفرع عن البطن والفصيل عن الفخذ فحزيمة مثلا شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ وعباس فصيل وانما جعلناكم كذلك لِتَعارَفُوا اى يعرف بعضكم بعضا ويؤدى بكم تعارفكم الى التلاحق في المنشأ لا للتفاخر والتغالب والمظاهرة إذ لا تفاخر بينكم الا بالكرامة والنجابة المترتبة على حصة اللاهوت وبالجملة إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وأحذركم عن لوازم الناسوت ولواحق الهيولى إِنَّ اللَّهَ المطلع على استعدادات عباده عَلِيمٌ خَبِيرٌ بما في ظواهرهم وبواطنهم يوفقهم على مقتضى علمه وخبرته بهم ومن عدم امتثالهم واتصافهم بأمر التعارف والتلاحق المأمور والموصى إليهم

قالَتِ الْأَعْرابُ التي هي المتوغلة في اللدد والعناد على سبيل التغالب والتفاخر حين قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين لا عن عزيمة خالصة وقصد صادق بل على وجه الخداع والنفاق ولهذا كانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلم على سبيل الامتنان قد آتيناك بالأحمال والأثقال ولم نقاتل معك كما قاتل بنو فلان آمَنَّا بك بلا سبق خصومة منا معك وبالجملة يمنون عليك يا أكمل الرسل بايمانهم الواهية وصدقاتهم الغير الوافية قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما أظهروا خلاف ما اضمروا في نفوسهم من المنة والغلول المنافى للإخلاص والايمان لَمْ تُؤْمِنُوا ايها الاعراب الأجلاف بمجرد قولكم آمنا إذ الايمان انما هو من افعال القلوب الصافية عن كدر المن والأذى مطلقا وَلكِنْ قُولُوا بدل قولكم آمنا أَسْلَمْنا اى قد دخلنا في السلم وصالحنا معكم على ان لا تخاصم بيننا وبينكم ولا نزاع وكيف تقولون آمنا وَالحال انه لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ اى لم يدخل الإذعان والقبول الملازم للايمان بل الايمان ليس الا الإذعان فِي قُلُوبِكُمْ التي هي أوعيته وهو من افعالها وَبالجملة إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ حق إطاعتهما وانقيادهما مخلصين لا يَلِتْكُمْ ولا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً قليلا من اجورها وجزائها ان اخلصتم في ايمانكم وإطاعتكم وجئتم بهما بلا من وأذى إِنَّ اللَّهَ المطلع على نيات عباده غَفُورٌ لمن تاب عن فرطاته رَحِيمٌ يرحمه ويقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>