للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرِحَ المنافقون الْمُخَلَّفُونَ عن رسول الله المتخلفون لأمره المتمكنون بِمَقْعَدِهِمْ ومكان قعودهم خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ حين خرج الى غزوة تبوك وَما ذلك اى قعودهم واستقرارهم بعد رسول الله في مكانهم الا انهم قد كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لخبث بواطنهم وقساوة قلوبهم وَقالُوا ايضا للمؤمنين تغريرا وتكسيلا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ اى لا تجاهدوا ولا تقاتلوا في الصيف حتى لا تضعفوا أنتم ومواشيكم قُلْ لهم يا أكمل الرسل نارُ جَهَنَّمَ البعد والخذلان التي قد استوجبتم بها بتخلفكم وقعودكم عن الجهاد أَشَدُّ حَرًّا وابلغ احراقا وايلاما لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ ويفهمون ما هي وكيف هي لم يختاروها على حر الدنيا

وبالجملة فَلْيَضْحَكُوا أولئك المتخلفون الهالكون في العذاب المؤبد والوبال المخلد قَلِيلًا في الدنيا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً فيها لما لحقهم بعد خروجهم منها من انواع العذاب والنكال جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فيها من الجرائم العظام والمعاصي والآثام

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ وردك عن غزوتك هذه اى غزوة تبوك إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ اى من المتخلفين المستأذنين وهم الذين قعدوا في المدينة بلا عذر وبعد ما قصدت غزوة اخرى فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ تلافيا لما مضى فَقُلْ لهم لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الى الجهاد أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا أصلا إِنَّكُمْ قوم قد رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ والتخلف أَوَّلَ مَرَّةٍ بلا عذر بل عن خديعة وغدر فَاقْعُدُوا أنتم دائما مَعَ الْخالِفِينَ المعذورين من النساء والصبيان والزمنى والمرضى

وَمتى ظهر لك حال أولئك الغواة الطغاة الهالكين في النقض والنفاق لا تُصَلِّ ولا تدع عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً اى بعد ورود النهى أصلا وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ لتستغفر له إِنَّهُمْ من خبث بواطنهم قوم قد كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ في حال حياتهم وَماتُوا على الكفر ايضا وَهُمْ فاسِقُونَ مجبولون على الفسق في اصل فطرتهم

وَبعد ما تحقق عندك يا أكمل الرسل كفرهم وظهر فسقهم وخروجهم عن مقتضى الحدود الإلهية لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ التي هي وبال عليهم إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ المضل المذل لعصاة عباده أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا بأنواع الحوادث والمصيبات وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ اى يخرج أرواحهم عن اجسادهم وصار ميلهم ومحبتهم منوطة بها وَبالجملة هُمْ كافِرُونَ بالله غير معترفين بألوهيته وربوبيته

وَمن شدة نفاقهم وبغضهم مع الله ورسوله إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن ناطقة أَنْ آمِنُوا ايها المكلفون بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ في سبيله اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ والسعة مِنْهُمْ اى صناديدهم وعظماؤهم خوفا من أموالهم وأنفسهم وَقالُوا ذَرْنا ودعنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ المعذورين الغير القادرين

وبالجملة قد رَضُوا أولئك الغواة مع قوتهم وسعتهم بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى الضعفاء الفاقدين للقوة والسعة وَما ذلك الا ان طُبِعَ وختم عَلى قُلُوبِهِمْ بالكفر والضلال فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ قبح ما جاءوا به من المخالفة والقعود مع أولئك المعذورين ولذلك لم يأتوا بالمأمور ولم يمتثلوا به

لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وامتثلوا لأمر الله وانقادوا لحكمه سمعا وطاعة قد جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سبيله ابتغاء لمرضاته وتثبيتا في دينه وَأُولئِكَ المؤمنون المجاهدون لَهُمُ الْخَيْراتُ والمثوبات العظمى والدرجات العليا عند الله وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون عنده سبحانه بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر

وبالجملة قد أَعَدَّ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>