للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذا هُمْ يفاجئون الى الكفران ويسارعون نحو الطغيان بحيث يَبْغُونَ ويطلبون الفساد فِي الْأَرْضِ المعدة للعبادة والصلاح بِغَيْرِ الْحَقِّ اى بلا رخصة شرعية بل عن بغى وعناد. التفت سبحانه من الخطاب الى الغيبة تنبيها على غاية بعدهم وطردهم عن ساحة عز الحضور والقبول لذلك ابعدهم بالغيبة بعد ما قربهم بالخطاب. ثم قال سبحانه يا أَيُّهَا النَّاسُ الناسون نعمة الإنجاء والتخليص عن ورطة الهلاك إِنَّما بَغْيُكُمْ وكفرانكم الذي قد فاجأتم به بدل الشكر والإطاعة في النشأة الاولى وبال عائد عَلى أَنْفُسِكُمْ في النشأة الاخرى إذ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا والتمتع بلذاتها وشهواتها والركون الى مزخرفاتها قليل حقير نزر يسير لا ينبغي للعاقل ان يترك الباقي لأجل الفاني واللذة الروحانية الدائمة المستمرة للذة الجسمانية المتناهية القصيرة ثُمَّ بعد انقضاء النشأة الاولى إِلَيْنا لا الى غيرنا إذ لا غير في الوجود معنا مَرْجِعُكُمْ ومصيركم رجوع الاظلال الى ذي الظل والأضواء الى الشمس فَنُنَبِّئُكُمْ اى نخبركم ونعمل بكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بمقتضى عملكم ان خيرا فخير وان شرا فشر

وبالجملة إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى شئونها الغريبة وحالاتها العجيبة التي كنتم تغترون بها وتميلون إليها وتفتخرون بمزخرفاتها ومموهاتها وأمتعتها وأبنيتها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ وامتزج بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ اى ترابها المنبتة للنبات وحصل مِنَ اختلاطهما وامتزاجهماما يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ من انواع البقول والحشائش حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وشرعت القوة النامية لتربيتها وَازَّيَّنَتْ اى تزينت بأنواع البهجة والتزيينات وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ متمكنون عَلَيْها وعلى جمعها وحصادها وأخذ قطوفها وغلاتها أَتاها أَمْرُنا وحكمنا بغتة بإهلاكها واستئصالها لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً محصودا قبل بدو صلاحها بل مقطوعا عن أصلها الى حيث كَأَنْ لَمْ تَغْنَ ولم تنبت فيها منها شيء بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ نوضح ونمثل الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ويستعملون عقولهم بإدراك الممثل والممثل به وبعد تعقلهم وتفكرهم يتنبهون ان الدنيا وحياتها ما هي الا سراب غدار وغرار وبرق بلا قرار من اغتر بغرورها هلك عطش الأكباد ومن استنار بنورها فقد ضل عن سبيل الرشد والسداد

وَبالجملة اللَّهُ الهادي لعموم عباده يَدْعُوا جميعهم إذ اصل جبلتهم وفطرتهم مجبولة على التوحيد والإسلام إِلى دارِ السَّلامِ اى الى مقر التوحيد الذي من تمكن فيه سلم عن جميع الآثام وسار عموم أموره الى العليم العلام القدوس السّلام وَبعد دعوته سبحانه عموم الأنام الى دار السّلام يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ويوفق من يشاء من خلص عباده إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى توحيده الا وهو دين الإسلام المنزل على خير الأنام تتميما لحكمة التكاليف المنزلة من عنده وتمييزا بين اهل الهداية والضلال من عباده واصحاب الجنة والنار على تفاوت طبقاتهم

لذلك قال سبحانه لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الأدب في هذه النشأة مع الله ورسله وامتثلوا بعموم ما جاءوا من عنده سبحانه في كتبه المنزلة على رسله تعبدا وانقيادا ايمانا واحتسابا الْحُسْنى اى المثوبة العظمى والدرجة العليا بدل إحسانهم في الدنيا عدلا من الله وَزِيادَةٌ عليها الا وهي رضوان الله عنهم عناية وتفضلا وَصاروا من صفاء عقائدهم وإحسانهم مع الله بحيث لا يَرْهَقُ ولا يلحق وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ اى غبار الغفلة والندامة وَلا ذِلَّةٌ صغار وهوان من التواني والتكاسل في احتمال التكاليف الإلهية وبالجملة أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله أَصْحابُ الْجَنَّةِ المعدة لأرباب الفضل والعناية هُمْ فِيها خالِدُونَ جزاء بما كانوا يعملون من الخيرات والمبرات

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>