للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإفراط والتفريط المذمومين عقلا وشرعا وانما أنزله على عبده وحبيبه صلّى الله عليه وسلّم لِيُنْذِرَ هو صلّى الله عليه وسلّم بانذاراته الكافرين الذين كفروا بالله وجحدوا في توحيده وعملوا السيئات المبعدة لهم عن طريق النجاة بَأْساً شَدِيداً وعذابا أليما عظيما صادرا مِنْ لَدُنْهُ اى من عند الله العزيز المنتقم بطشا لهم وانتقاما منهم وَيُبَشِّرَ ايضا بتبشيراته الْمُؤْمِنِينَ الموحدين الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ المقربة لهم الى مرتبة التوحيد الصادرة عنهم بمقتضى يقينهم وعرفانهم أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً حَسَناً هو التحقق بشرف اللقاء والفوز بمطالعة جمال الله والاستغراق عند وجهه الكريم

ماكِثِينَ فِيهِ اى في الأجر الحسن دائمين أَبَداً مؤبدا مخلدا بلا تبديل وتغيير مزيدين المحبة واللذة والشوق والارادة متعطشين الى زلال التفريد بلا رواء أصلا كما اخبر سبحانه عن حال أولئك الوالهين بقوله إلا طال شوق الأبرار الى لقائي

وَيُنْذِرَ ايضا أشد إنذار بأسوء عذاب ووبال الَّذِينَ قالُوا من فرط إسرافهم في الشرك والجحود وهم اليهود والنصارى قد اتَّخَذَ اللَّهُ الواحد الأحد الصمد المنزه عن الأهل والولد وَلَداً حيث قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله

مع انه ما لَهُمْ بِهِ بالله وباتخاذه ولدا مِنْ عِلْمٍ يقين او ظن متعلق منهم به وبمعناه وبما يترتب عليه من النقص المنافى لوجوب وجوده إذ اتخاذه انما هو للاخلاف او المظاهرة والتزين وكلاهما محالان على الله لا يليقان بجنابه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وَلا لِآبائِهِمْ يعنى وان ادعوا اثبات الولد لله تقليدا للاباء والاسلاف فليس لهم ايضا علم بنقصه وعدم لياقته بجناب الحق المنزه المقدس في ذاته عن امارات النقصان وعلامات الإمكان مطلقا وبالجملة قد كَبُرَتْ اى جلت وعظمت في الكفر والجحود وسوء الأدب مع الله كَلِمَةً اى مقالتهم هذه مع انها تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ هفوة بلا علم وتأمل بل إِنْ يَقُولُونَ وما يقصدون بقولهم هذا إِلَّا كَذِباً مينا وافتراء يفترونه على الله وينسبونه الى كتابهم ظلما وزورا وبعد ما كان حالهم في الافتراء والمراء على هذا المنوال وشدة غيظهم وشكيمتهم مع الله على هذا المثال

فَلَعَلَّكَ يا أكمل الرسل بمجرد محبتك إياهم وبميلك الى ايمانهم وبرجائك وتحننك الى متابعتهم وبيعتهم معك باخِعٌ نَفْسَكَ اى قاتلها ومهلكها عَلى آثارِهِمْ بعد ما انصرفوا عنك وذهبوا من عندك إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا اى انهم لم يؤمنوا ولم يصدقوا بِهذَا الْحَدِيثِ اى القرآن أَسَفاً يعنى أهلكت نفسك بكثرة التأسف والتحزن على ذهابهم وانصرافهم عنك وعدم ايمانهم وانقيادهم بك وان حداك وبعثك الى ايمانهم واتباعهم غناؤهم ورئاستهم وترفههم وجاههم وثروتهم وسيادتهم بين الناس فاعلم انها لا اعتداد لها ولا اعتبار لما يترتب عليها

إِنَّا ما قد جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الأصول الثلاثة التي هي الحيوان والنبات والمعدن وما يتفرع عليها ويتخذ منها من انواع اللذات والشهوات الجسمانية الوهمية وما أظهرناها الا زِينَةً لَها وزخرفة عليها لِنَبْلُوَهُمْ ونختبرهم اى ارباب التكاليف والتدابير المجبولين على فطرة المعرفة والتوحيد أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وأتم رشدا وعقلا في الاعراض عنها وعدم الالتفات إليها والاجتناب عن لذاتها الوهمية التي هي دائرة على التقضي والانصرام وشهواتها المورثة لانواع الحزن والآلام وأمانيها المستلزمة لأصناف الجرائم والآثام مع ان الضروري منها في نفس الأمر ما هو الاكن حجرة ولبس خرقة وسد جوعة وباقيها حطام ليس لها دوام مورث لاسقام وآلام

وَمتى علمت ان ما على

<<  <  ج: ص:  >  >>