للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد حَرَّمَ اللَّهُ الحكيم العليم المتقن في أفعاله وأحكامه قتلها إذ كل نفس من النفوس البشرية انما وضعت وبنيت لتكون بيتا لله مهبطا لوحيه والهامه منزلا ومحلا لحلول سلطان وحدته الذاتية ومجلى لظهور أسمائه الحسنى وصفاته العظمى فلا يصح ولا يجوز هدم بيته وتخريب بنائه إِلَّا بِالْحَقِّ اى بالرخصة الشرعية الموضوعة بوضع الله سبحانه حدا او قصاصا وَمن جملة أخلاقهم الحميدة انهم لا يَزْنُونَ عدوانا وعدولا عن مقتضى الحد الشرعي والوضع الإلهي في حفظ النسب وعن اختلاط النطف والمياه إذ هو من اخس المحرمات وافحش المحظورات لذلك عقبه سبحانه بالوعيد الهائل تنبيها لفظاعتها فقال وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى الزنا التي هي الفعلة الشنيعة والديدنة القبيحة المتناهية في القبح والشناعة المستكرهة عند الطبائع السليمة المسقطة للمروءة الفطرية والعدالة الإلهية يَلْقَ يوم الجزاء أَثاماً اى جزاء مسمى بالآثام مبالغة وتأكيدا كان اسم الإثم موضوع له حقيقة وهو الجامع لجميع ما يطلق عليه اسم الإثم مبالغة ادعاء لذلك

يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا تضعيفا مرة بل أضعافا كثيرة وَمع ذلك التضعيف والتشديد يَخْلُدْ ويدم فِيهِ اى في العذاب مُهاناً صاغرا ذليلا بين عموم اهل النار إذ الزنا من أقبح الجرائم عند الله وأفحشها إذ لا جرم عنده سبحانه أعظم من هتك محارمه أعاذنا الله وعموم عباده من ذلك

إِلَّا مَنْ تابَ عما جرى عليه من سوء القضاء ورجع الى الله نادما عن فعله خائبا خاسرا مستحيا من الله خائفا عن بطشه مكذبا لنفسه معيرا عليها متأوها متحسرا عما صدر عنها وَمع ذلك قد آمَنَ بتوحيد الله وأكد توبته بتجديد الايمان المقارن بالإخلاص الصائن للمؤمنين عن ارتكاب عموم المحظورات المنافية للايمان وَبالجملة قد جدد إيمانه معتقدا انه حين صدور الزنا عنه لم يكن مؤمنا ومع اظهار التوبة على وجه الندم والإخلاص وتجديد الايمان ساعة فساعة قد عَمِلَ عَمَلًا صالِحاً منبئا عن إخلاصه في إيمانه وتوبته مشعرا على يقينه ومعرفته دالا على انابته ورجوعه عن ظهر القلب وصميم الفؤاد فَأُوْلئِكَ السعداء التائبون الآئبون المقبولون هم الذين يُبَدِّلُ اللَّهُ الحكيم المصلح لأحوال عباده بعد ما وفقهم على التوبة الخالصة والانابة الصحيحة الوثيقة سَيِّئاتِهِمْ التي قد أتوا بها قبل التوبة حَسَناتٍ بعدها بان يمحو سبحانه بفضله معاصيهم المثبتة في صحائف أعمالهم قبل انابتهم ويثبت بدلها حسنات بعدها وَكانَ اللَّهُ المطلع لسرائر عباده وإخلاصهم غَفُوراً لهم متجاوزا عن ذنوبهم وان عظمت بعد ما جاءوا بالتوبة الخالصة رَحِيماً عليهم يقبل توبتهم ويعفو زلتهم

وَبالجملة مَنْ تابَ ورجع الى الله نادما على ما مضى عليه من المعاصي وَعَمِلَ عملا صالِحاً تلافيا لما فات عليه من الطاعات والحسنات جابرا بما انكسر من قوائم إيمانه واعمدة يقينه وعرفانه فَإِنَّهُ يَتُوبُ ويرجع إِلَى اللَّهِ المفضل المحسن الكريم الرحيم مَتاباً توبة مقبولة عند الله مرضية دونه سبحانه

وَبالجملة المؤمنون المقبولون المبرورون عند الله هم الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ والشهادة الباطلة المسقطة للعدالة والمروءة رأسا وَايضا إِذا مَرُّوا فجاءة بغتة بلا سبق ترقب وتجسس بِاللَّغْوِ مطلقا اى ما يجب ان يلقى ويطرح من المكروهات الشرعية والمحظورات والمستهجنات سواء كانت قولية او فعلية قد مَرُّوا عليها كِراماً مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه مستغفرين من الله لمن ابتلاه الله به غاضين أبصارهم عن تدقيق النظر نحوه وتكرير المشاهدة اليه والمبالغة في المطارحة والمطالعة فيه وبالجملة قد مروا باللغو على وجه التلطف والرفق والتستر والتليين

<<  <  ج: ص:  >  >>