للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلا ملاحظة زمان ومقدار وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى وتطهر عن ذمائم الأخلاق ورذائل الأطوار

وَكيف لا يكون للتزكية هذه الآثار لَقَدْ أَوْحَيْنا من عظيم جودنا إِلى مُوسى المختار بعد ما هذبنا ظاهره عن ذمائم الأخلاق ورذائل الأطوار وحلينا وملأنا باطنه بأنواع المكاشفات والأسرار نجاة له ولقومه من أيدي الكفار سيما قد قصد عليهم فرعون الغدار أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي اى سر ليلا معهم على سبيل الفرار فمتى أخبروا باسرائك وفرارك اتبعوا اثرك حسب الاغترار ومتى اردفك العدو وكادوا ان يدركوك ومنعك البحر من العبور قلنا لك حينئذ فَاضْرِبْ بعصاك المعينة لك في معظمات الأمور البحر ليكون لك معجزة وظهر لَهُمْ اى لقومك طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً جافا لا وحل فيها لئلا يخافوا من الغرق وادراك العدو وأنت ايضا لا تَخافُ دَرَكاً عن ان يدركك فرعون وَلا تَخْشى أنت ايضا عن ان يغرقك البحر فضرب البحر بأمر ربه بعد ما اسرى موسى ساريا باذنه سبحانه ليلا وفلق اى البحر من ضربه فسلك فيه وسلك قومه ايضا خلفه فعبروا جميعا سالمين فوصل فرعون وملاؤه البحر فرأى عبورهم من الطريق اليابس

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ على الفور بلا تراخ فدخلوا مقتحمين مزدحمين اغترارا لعبورهم بيبسه فَغَشِيَهُمْ اى قد غطاهم وسترهم مِنَ الْيَمِّ اى البحر ما غَشِيَهُمْ اى غشاوة عظيمة بحيث يكون البحر كما كان بل اكثر هولا وأشد مهابة وبتوفيقنا قد هدى موسى قومه وبالجملة فأنجيناهم امتنانا منا عليه وعليهم

وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ باتباعهم ببني إسرائيل على الفور وَما هَدى وما ارشد لهم طريق المخلص فأغرقناهم متبوعا وتابعا زجرا عليه وعليهم ثم بعد انجائنا بنى إسرائيل من عدوهم وإهلاك أعدائهم بالمرة وايراثهم ارضهم وديارهم وأموالهم قد نبهنا عليهم التوجه والرجوع إلينا بتعديد نعمنا التي قد انعمناهم ليواظبوا على شكرها أداء لحق شيء منها حتى يكونوا من زمرة الشاكرين المستزيدين لنعمنا إياهم لذلك ناديناهم ليقبلوا إلينا ويعلموا ان الكل من عندنا

يا بَنِي إِسْرائِيلَ المنظورين منا بنظر الرحمة والشفقة قَدْ أَنْجَيْناكُمْ أولا بقدرتنا مِنْ عَدُوِّكُمْ الغالب القاهر عليكم وَقد أنجيناكم ايضا ثانيا من جرائم تقصيراتكم في امتثال أوامرنا الوجوبية إذ قد واعَدْناكُمْ بنزول التورية عليكم وقت صعودكم جانِبَ الطُّورِ لا جميع جوانبه بل جانبه الْأَيْمَنَ ذا اليمين والكرامة ليشعر الى العفو عن التقصير وَقد أنجيناكم ثالثا من شدائد التيه وعن المحن العارضة فيها من الجوع والعطش والحر والبرد المفرطات وغير ذلك بان نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ الترنجبين وَالسَّلْوى السمانى وأمرناكم بالأكل منها مباحا

حيث قلنا لكم كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ بعد تحملكم شدائد الابتلاء واشكروا لنعمنا لنزيدكم وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ولا تضلوا باسناد نعمنا الى نفوسكم لا إلينا مثل فرعون وقومه وبالجملة ان كنتم مثلهم في الكفران فَيَحِلَّ فينزل عَلَيْكُمْ غَضَبِي البتة مثل حلوله عليهم وَاعلموا انه مَنْ يَحْلِلْ وينزل عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى وسقط عن درجة الاعتبار والتقرب الى

وَإذا ابتليتم بحلول غضبى لا تيأسوا عن نزول روحي ورحمتي عليكم بعد ما تبتم ورجعتم الى إِنِّي بعد رجوعكم الى بالإخلاص والعزيمة الصادقة لَغَفَّارٌ ستار لِمَنْ تابَ عما جرى عليه من العصيان توبة مقرونة بالندامة المؤبدة وَآمَنَ ايضا بعد التوبة تجديدا وتأكيدا لإيمانه السابق وَعَمِلَ عملا صالِحاً بعد ذلك خالصا مخلصا نادما على ما مضى من طغيان العصيان ثُمَّ اهْتَدى بالإخلاص والعمل الصالح الى درجات القرب واليقين ثم لما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>